“الإرهاب”.. جيش الاستعمار الجديد في إفريقيا!
“الإرهاب”.. جيش الاستعمار الجديد في إفريقيا!
محمد سليم قلالة
2023/08/19
يبدو أن القارة الإفريقية، التي تعيش في هذه الفترة استقطابا بين القوى الدولية، ستشهد أَشكالا من الحروب والصِّراعات غير المحدودة إذا لم تُوحِّد قِواها وتحُسِّن إدارة المعارك القادمة، وتعرف كيف تستفيد من التَّبَدُّل الحاصل اليوم على المستوى الدولي نتيجة الصراع الروسي، الغربي المُعلَن، والصِّراع الشرقي، الغربي الخفي الذي يجري في مستويات أخرى.
ومن بين أشكال الحرب التي سيتزايد استخدامها في القارة ضد الحكومات الوطنية، تحت غطاء استعادة “الديمقراطية المزعومة”، تحريك الجماعات الإرهابية المعروفة، والأخرى التي سيتم إنشاؤها سريعا تحت تسميات مختلفة بحجة تمردات مُفبرَكة.. ولعل هذا الشكل من الحرب هو الذي ينبغي الاحتياط له، لأن غايته المُعلَنة هي النقيض التام لحقيقته، خاصة إذا رفع شعارات إسلاموية كاذبة.
أشارت وكالة “نوفوستي “في برقية لها يوم 19 أوت الجاري إلى شروع حكومة غربية في تدريب جماعات إرهابية تدريبا عاليا، للإسراع بإرسالها إلى إفريقيا للقيام بعمليات تخريبية ضد الحكومات الوطنية وبخاصة تلك التي أصبحت تربطها علاقات طيبة مع روسيا. وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية “ماريا زاخاورفا”، في ذات البرقية، أن هذه الدولة سترسل مجموعة تخريبية من 100 مقاتل لتنفيذ اغتيالات تطال القادة الأفارقة المؤيدين لروسيا، في ظل شعورها بأن مصالحها في مستعمراتها السابقة تتعرض للخطر.
وقبلها، كانت صحيفة L’AUBE المالية، قد كتبت في موضوعها المعنون “فرنسا تموّل الجماعات الإرهابية بالساحل”، أن ملايين الدولارات تذهب للجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة من قبل السلطات الفرنسية، تحت غطاء تقديم الفدية لتحرير الرهائن، وهدفها هو شن الحروب ضد الدول الوطنية بالمنطقة. ومن بين الأمثلة التي قدَّمتها الصحيفة عن ذلك، تقديم 12 إلى 13 مليون أورو لتحرير الصحفي الفرنسيOlivier Dubois والمبعوث الأمريكي Jeffrey Woodke، كما أشارت ذات الصحيفة إلى أن “لوموند” الفرنسية ذاتها قالت بتسليم فرنسا ما بين 20 و25 مليون أورو لمختطفي الرهائن Thierry Dol Marc Féret Daniel Larribe Pierre Legrand سنة 2013.. الأمر الذي جعل صحيفة “نيويورك تايمز”، حسب نفس المصدر، تصف فرنسا بالبلد الأول في دفع الفدية للرهائن في العالم بما قيمته أكثر من 10 ملايين يورو سنويا… وهو الأمر الذي ما فتئت الجزائر تُجرِّمه وترفضه رفضا قاطعا، وتعمل على ألا يحدث قطعا، مُتبنِّية سياسة لا فدية للإرهاب تحت أي ظرف كان، إنما القضاء عليه.
وقد تَبيَّن اليوم، في ظل مستجدات الوضع في منطقة الساحل، صحة وجهة النظر الجزائرية، ففي الوقت الذي تعجز فيه القوى الدولية المناوئة للمنطقة على شن حرب مباشرة انطلاقا من قواعدها العسكرية، وتفشل في التحريض على حرب بالوكالة عبر عملائها، تلجأ إلى الجماعات الإرهابية المُتحرِّكة والساكنة لتشن عمليات تخريب، وربما، اغتيال في أكثر من موقع لزعزعة الأوضاع وزيادة تعفنها حتى يستمر الوجود الأجنبي ويستمر الاستغلال المجاني للثروات…
وهذا الذي يجب الانتباه له اليوم وغدا باعتباره سيكون الشكل المفضّل للاستعمار الجديد، للإبقاء على هيمنته في القارة وتهديد مَن يريد الاستقلال بقراره وإعادة بناء دولته الوطنية بشكل مُستقِّل.
قد لا تشن بعض دول مجموعة “الإيكواس” الحرب مباشرة على النيجر، وقد تقوم القوات الفرنسية بالتدخل بطريقة غير مباشرة للإطاحة بالحكم القائم هناك، ولكن “الإرهاب” سيُستخدم، بكل تأكيد، لتحقيق الأهداف المرجوة من الاستعمار الجديد.
وبالرغم من خبرة الأفارقة في مواجهة هذا الأسلوب الماكر في الهيمنة، فإن تعاونهم مع بعضهم البعض ومع الدول الصديقة ذات الخبرة في هذا المجال سيكون مرحبا به بلا شك، لإفشال هذا الأسلوب الجديد في السيطرة على الشعوب وقهرها من خلال الإرهاب.. وبلا شك، أن هذا سيُعيد الأمل للقارة في أن تعرف مستقبلا أفضل تكون الجزائر أحد المساهمين الرئيسيين فيه…