فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3361.86
إعلانات


ملة إبراهيم وشريعة الإسلام

الرأي

ملة إبراهيم وشريعة الإسلام

التهامي مجوري

2023/08/08

إن دين ابراهيم كما مر معنا في مقال “الدين الإبراهيميي…”، فكرة وضعية أراد بها أصحابها جمع الناس على دين واحد في إطار يعترف به الجميع، وذلك لجمع أهل الديانات السماوية على دين أبيهم إبراهيم عيه السلام –بزعمهم- ولكن بحكم أن الفكرة ساذجة خاطئة كما أسلفنا [راجع المقال من حلقتين نشر في هذا القسم]، وما زاد في ظلالها وخطئها تلقف الأيد الآثمة واستغلالها في محاربة الديانات والديانة الاسلامية تحديدا، فقد باءت بالفشل ولن تنجح بشكل من الأشكال لأنها فاقدة لمبررات البقاء…

الغرب الذي لا يؤمن بالدين مقوِّما للمجتمعات إلا كقضية فردية، هو نفسه الذي يحرص على جمع الناس على الدين وإيجاد إطار ديني جامع لهم، ولعل من أهم المبادرات المبادرة الأمريكية التي أصدرت كتابا خليطا من التوراة والإنجيل والقرآن بعنوان “مثلث التوحيد”.

الغرب الذي لا يؤمن بالدين مقوِّما للمجتمعات إلا كقضية فردية، هو نفسه الذي يحرص على جمع الناس على الدين وإيجاد إطار ديني جامع لهم، ولعل من أهم المبادرات المبادرة الأمريكية التي أصدرت كتابا خليطا من التوراة والإنجيل والقرآن بعنوان “مثلث التوحيد”.

إنَّ إبراهيم هو جدُّ الأنبياء حقيقة عليهم الصلاة والسلام جميعا، ودينه هو دينهم جميعا، وهو الدين الإسلامي ولا شيء غير الإسلام (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة 136]، وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم أيضا تأكيدا لهذه الحقيقة المثبتة لوحدة الدين الذي جاء به الأنبياء جميعا “إن مَثَلي وَمَثَلَ الأنبياءِ من قبلي، كمثل رجل بنى بُنْياناً فَأحْسَنَه وأَجْمَلَه، إلا موضعَ لَبِنَة من زاوية من زواياه، فجعل الناسُ يطوفون به، ويَعْجَبون له، ويقولون: هلا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنَةُ؟ قال: فأنا اللَّبِنَةُ وأنا خَاتَم النَّبيِّين” (رواه البحاري ومسلم عن أبي هريرة، جامع الأصول رقم 6340).

وهذه الوحدة الدينية تقتضي أن جميع الأنبياء يمثلون دينا واحدا وهو التوحيد الذي أرسل الله به جميع رسله، مع اختلاف في الشرائع اقتضته طبيعة الزمان والمكان والأقوام، فكانت الشرائع مختلفة مع وحدة الأصل المتمثل في التوحيد والعبادة، وهذا الاختلاف بدوره يقتضي أن تكون الرسالة الخاتمة هي الأكمل والأولى بالتبني والإتِّباع (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج 78]، ومن ثم ليس الانتماء إلى إبراهيم أو موسى أو عيسى بالذي يغني عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل لا بد من الانتماء إلى ما جاء به محمد ليعتبر الدين دينا حقيقيا والتدين تدينا صادقا، وإلا اعتبر ناقصا (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ* قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ* أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة 135-141].

لقد كان انتماء الأقوام السابقين إلى أنبيائهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، انتماء صحيحا؛ لأن النبوات يومها كانت خاصة بأقوام معينين وساحات جغرافية محدودة، وشرائع خاصة بالواقع الذي يعيشونه وما يحيط به من ملابسات.

أما الآن منذ بعثة محمد صلى الله عليه، فقد اكتمل الدين وأصبح الخطاب عاما وموجها إلى البشرية جمعاء، انطلاقا من تبشير عيسى بمحمد (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف 6]، وانتهاء ببعثته عليه الصاة والسلام واكتمال الدين على يديه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة 3]، ولذلك اعتبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسالته تكملة لمن قبله من الأنبياء؛ بل اعتبر نفسه اللبنة التي اكتمل بها البنيان، وليس هو كل البنيان عليه الصلاة والسلام؛ بل إن خطاب سيدنا ابراهيم كما حكاه القرآن الكريم يثبت هذا المعنى الذي أشار إليه محمد في حديث اللبنة حيث (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ* أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة 127-134].

ملة إبراهيم هي ملة محمد وعيسى وموسى والنبيون من قبل، كلهم مسلمون موحِّدون، وما جاء مفصَّلا في رسالة محمد وانتهت إليه الخبرة النبوية والخبرة التاريخية من كمالات لا يسع الإنسانية إلا التمسك به، وإلا ضلت ضلالا كبيرا، ولذلك كان المقرر النهائي في التدين والموقف منه هو الإسلام الذي جاء به جميع الأنبياء والرسل وكَمُل على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [آل عمران 19]، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران 85].

ويتجلى هذا المقرر النبوي النهائي، إضافة إلى التقرير الإلهي المستفاد من الآيتين، في الأسس الكلية التي اكتملت بها صورة الإسلام النهائية المؤسسة على ما يلي:

وحدة الدين ووحدة مصدريته، ونسخ الشرائع السابقة؛ لأن شريعة الاسلام هي الأكمل والأقدر على التناغم وحركة الكون وقوانين المنظومة الكونية كلها.

وحدة المنظومة الكونية وفق قوانين الله في خالقة وسننه الجارية.

التكريم الإنساني: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الاسراء 70]، والمتمثل في ما يلي:

أ- عدم الإكراه في الدين

ب- احترام خيارات الإنسان في إطار الحرية والعدل والإنصاف.

التعارف والتعاون على البر والتقوى.

تلك هي ملة إبراهيم، وملة جميع الأنبياء وآخرهم سيدنا محمد، عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، التي اعتبر الله المتنكِّب لها بالمرء الذي سفه نفسه.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة