فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء التربية والتعليم

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3382.33
إعلانات


أهمُّ حوار فكري تربوي في موضوع التربية -ل- عبد القادر فضيل

أهمُّ حوار فكري تربوي في موضوع التربية

عبد القادر فضيل

2023/08/08

إن الذي أجرى هذا الحوار ونظمه هو الأستاذ حسن خليفة أحد المهتمين بما ينشر في البصائر أثاره ونظمه مع أحد الأساتذة المهتمين بموضوع التربية وسير نظام التعليم والباحث في قضاياه في جامعة سطيف، وهو الأستاذ الدكتور عبد الله صحراوي، أحد المختصين والمتخصصين في علوم التربية، وفي تنظيم التعامل مع هذا الميدان.

هذا الموضوع الذي يثيره الحوار في البصائر، كنا ننتظره، وننظر من يطرحه وينشر قضايا المتعددة، ويعمِّق البحث والحديث في تناول إشكالاته،

والنقاش الذي أثاره الحوار بيّن فيه الأستاذ المحاوَر أنه ملمٌّ بالحقائق الدقيقة التي يعيشها التعليم، وهي الحقائق التي يعيشها الأستاذ بفكره ونشاطه واهتماماته ويعيش الظروف التي يتم فيها التعليم وتسير فيها المدرسة.

لقد بيّن جوانب ذلك في النقاش الذي شخَّص فيه واقع النظام التربوي الذي هو خلاصة ما تثيره قضايا المنظومة التربوية في جانبيها الفكري والمعرفي والمتابعة النشاط المدرسي الذي يواجه تأثيرات المحيط الاجتماعي والذي يؤثر في نتائج المنظومة التربوية، لأن قضايا المنظومة في عمومها تشكل واقعا يعيشه المجتمع، وهو واقع يحكمه نظام، وتوجهه سياسة وتترجم أفكارَه فلسفة المجتمع التي تبرزها إرادة الأمة ومساعيها الهادفة إلى تطوير الجهود المدرسية الموجهة لجهود التنمية.

وما ينبغي طرحه منذ البداية هو أن التربية سياسة أمة ومسؤولية دولة والتعليم الذي تعالجه وتمارسه نشاطٌ مدرسي فكري، يشرف على تنظيمه وتسيير أموره نظام تابع لوزارة مسؤولية عن التربية ومهمته الإشراف على تسيير شؤون المدرسة وما يجري فيها، والمدرسة بيئة تربوية تنفذ فيها السياسة التعليمية، ويرافقها نشاط البرلمان الذي غايته ضبط قوانين التسيير ومتابعة تنفيذها في محيط الحكومة. إننا حين نتتبع المناقشة في هذا الموضوع والتي يتناولها الأستاذ صحراوي نجدها مستوعبة عددا كبيرا من حقائق النظام التعليمي، وشارحة لأهم الجوانب التي يعيشها التعليم، وقد نلمس جوانب الضعف التي تثار فيه سيره، ومناقشتها تؤكد أن عدم الاهتمام بجوانب الضعف هو الذي يسبب جوانب الإخفاق في سير المدرسة أو في نتائجها والإخفاق هو الذي حرك اهتمام الدكتور صحراوي في نقاشه لبعض جوانب الموضوع موجها نقاشه لبعض الجوانب التي يتخبط فيها نظام التعليم، ويحاول البحث عن الأساليب التي تخرجه من هذا الوضع.

إن الذي يهمنا هو ذكر الحلول المقترحة التي تُخرج الوضع من التدهور الذي بدأ النظام يعيشه وأساس هذه الحلول التي تود طرحها هو تنبيه الدولة إلى ما ينبغي إجراؤه عمليا، والسير عليه وترسيمه قانونيا حتى يتاح للسير المدرسي معالجة الإشكالات، وتنبيه الدولة يجعلها تحرك إحساس الهيئات الاجتماعية بواجباتها، لتقوم بممارسة دورها في الحياة والاضطلاع بواجباتها المحددة ما يطلبه المجتمع من هيئاته وهيئات المجتمع هي: الأسرة والمسجد والإدارة والإعلام والمحيط الاجتماعي، وهي الهيئات التي تسند المدرسة في مهامها، وهذا ما جعلها تتخبط في سيرها وتبحث عن المسار الصحيح الذي يخلصها من حالات التخبط.

إن أهم ما يجب أن نتجه إليه جهود العلاج هو اعتماد الأسلوب العملي الذي تجمع فيه بين ما يهدف إلى تحقيق التربية بالجهد، وتضيف إليه ما يحقق تربية الجهد، إن الجمع بين تربية الجهد إجراءٌ له أهداف متطورة، والذي يمكن من اختيار هذا الأسلوب وتحديد هدفه هو إبراز الحقائق التربوية التي يسعى إليها المجتمع، وإبراز الحقائق تدفع إلى إبراز الأسباب المشخصة للإخفاق، وهذا جانب من مسؤولية هيئات المجتمع وتوجهات الدولة، وسبب هذا الإخفاق هو خلو الميدان من وجود هيئة سياسية توجه عمل الوزارة، وتضبط سير التعليم (مجلس أعلى للتربية) وهو الهيئة المطلوبة، والسبب في خلو الميدان من هذه الهيئة مع أنها ضرورية هو تخلي الدولة عن جانب مسؤولياتها، لذا كان الحل الذي يجب طرحه هو أن تنهض الدولة بواجباتها وتلزم الوزارة بالجانب السياسي الذي حددته الدولة وحددت الهيئة الموجهة له، وهي المعالجة المطلوبة التي كنا نود أن يتجه إليها الحوار، وهو إصلاح الوضع السياسي وتحديد الخطة الموجهة، وهذه المعالجة تحتم مراجعة نظام سير التعليم وضبط الأساسيات الموجهة لعمليات المراجعة والتصحيح، ومن الجوانب التي تنتظر التصحيح هي مراجعة الوضع اللغوي الذي يتم به تدريس الرموز والمصطلحات في تدريس الرياضيات والحساب.

إن الإشارة إلى ضرورة مراجعة لغة الرموز والمصطلحات وإرجاع العمل بها كما كانت قبل التغيير هو التصحيح المطلوب لأنها كانت معرَّبة في الأصل، وتم تغييرها في بداية الألفية الثالثة.

ومن الجوانب التي يجب أن يشملها التعليق والتصحيح دروس الحساب هي طريقة كتابة العمليات وتصحيح الاتجاه في كتابتها لتعود كما كانت من اليمين إلى اليسار وإرجاعها إلى الاتجاه الملائم للوضع العربي في كتابة العمليات، وفي مراجعة الأسلوب العشوائي في تنفيذ تعليم اللغة الإنجليزية في الابتدائي يجب تصحيح ما تم به تنفيذا للقرار السياسي، فالتنفيذ لم يكن تنفيذا ملائما للتوجه التربوي، فالإجراء الذي تم العمل به في بداية الموسم الدراسي الحالي هو إبقاء الفرنسية في السنة الثالثة، وإدراج الإنجليزية بجانبها في هذه السنة، وبهذا أصبح الجمع بين الفرنسية والإنجليزية في السنة الثالثة، وهذا مخالفٌ للتوجه التربوي الصحيح، كان المطلوب أن يُؤجَّل تدريسُ الفرنسية إلى ما بعد الابتدائي، وتحل الإنجليزية محل الفرنسية في السنة الثالثة أو الرابعة، لأن الجمع بين لغتين أجنبيتين في سنة واحدة وفي بداية التعلم أمر غير مقبول تربويا، إذ لا يوجد بلد في العالم المتطور يتبنى لغتين أجنبيتين في الابتدائي ومعهما لغته الوطنية، وهذا نبهنا إليه وطالبنا بالمراجعة، ولحد الآن لم يراجَع الموقف ويُخشى أن يستمر.

والحديث عن الإنجليزية في التعليم يدفع إلى تنفيذ إجراء آخر متمِّم لهذا الحل، وهو أن يجعل النظام تدريس التخصصات العلمية في التعليم العالي بهذه اللغة، لكي يجدها حاملو البكالوريا، في تخصصاتهم العلمية في التعليم العالي، وبهذا تصبح الإنجليزية لغة معتمدة في المجال العلمي في التعليم العالي.

ومن الجوانب التي يجب أن تشملها المراجعة هي التنبيه إلى الأخطاء التي ارتُكبت في بداية الألفية الثالثة إذ أقدمت الوزارة على تنفيذ بعض الإجراءات التي لم تصدر بشأنها قوانين أو توجهات قوانين أو توجهات سياسية متفق عليها، هذه الإلغاءات هي: إلغاء قانون التربية من خلال إلغاء الأمرية الرئاسية ونظام التعليم الأساسي، والدعوة إلى إلغاء سياسة تكوين المعلمين وتجميد المعاهد المتخصصة وإلغاء شعبة العلوم الشرعية التي كانت في الأصل شعبة معوِّضة للتعليم الأصلي الذي تم حذفه وهناك جوانب أخرى تم الإقدام على حذفها من قبل الوزارة ولم تتدخل الحكومة، ولم يناقشها البرلمان.

إن الملاحظة التي أثارها الدكتور صحراوي في استعراضه سير التعليم في هذا الجانب قد لا يوافق عليها من كانوا وراء الإجراءات المنفِّذة للسياسة الوطنية منذ بداية الاستقلال، هذه الملاحظة هي أن التعليم الذي سرنا عليه ويبلغ عمره واحدا وستين سنة كان ملتويا أعرجَ في سيره، لقد نحا منحى جعله يعتمد التجريب المستمر لنماذج مستوردة من دون تكييف، ولا تطويع للبيئة، لا يمكن أن نعتبر الإجراءات الأولى التي انطلق منها التعليم الذي بدأنا الاهتمام به، لا نعتبر ما قمنا به إجراءات عرجاء، فالإجراء الأعرج الوحيد الذي لم يطُل العمل به، لأن الدولة تخلت عنه مبكرا وتعمدت تجاوزه والتخلي عنه من السنوات الأولى بعد أن حددت ما ينبغي أن يسير عليه التعليم الذي تم الإقدام على تنظيمه، هو السير وفق النظام الذي ورثناه، والذي كان غريبا في بعض جوانبه وأهدافه في السنوات الأربع الأولى حين تم إصدار قرار تعريب السنة الأولى عام 1965، والشروع في تحديد الوجهة السياسية للنظام التعليمي مع بداية تكييف الظروف، ومواصلة تعريب السنوات الأربع الأولى، أما الإجراء الخاص بالتعريب النقطي الذي تم الشروع في تنفيذه في عام 1971 فهو الإجراء الذي مهد لتهيئة الظروف الممهِّدة لإلغاء النظام الموروث، وتكييف الجوانب التي تحتاج إلى تكييف، والشروع في تنفيذ السياسة الوطنية المقررة التي تم إقرارها وضبط النصوص المؤسِّسة لها عام 1976 كان هذا الإجراء متكيفا مع الوضع المدرسي، ولا يمكن اعتبار قرار نظام التعليم الأساسي نظامًا أعرجَ، كما لا يمكن اعتباره مجرد نموذج تعليمي مستورَد من دون دراسة علمية، ومن دون ضبط الجوانب الأساسية التي تتطلبها عمليات التغيير لأن قراراته وظروف تنظيمه كيّفت الوضع المدرسي مع أوضاع البلاد والسياسة المنتهَجة، وما تم بعد ذلك هو اقتباس لأفكار تلائم أوضاعنا وتساير أفكارنا وتتجنب الأعمال المطلوبة ما يجعل الأسلوب المتبع تناقضا مع التوجهات السياسية، بل كان النظام حريصا على تعميق السير الفكري وفق اتجاهاتنا.

صحيح أن الإجراءات المنفِّذة لبعض القراراتلم تسبقها دراسة محلِّلة ومهيِّئة لواقع ينبغي أن يكون معبِّرا عن جانب من واقعنا، ولكنها مع ذلك نُفذت ضمن التوجهات السياسية الوطنية إذ روعي فيها ما يلائم سياسة البلاد ويخدم الوجهة الوطنية.

والجانب الذي نختلف فيه معه، هو أن الطلب المتزايد على التعلم الذي ظل يحرك جهود المدرسة هو التوجّه نحو الكم، وهو الذي أبدى اهتماما كبيرا في السنوات الأولى نظرا لحاجتنا إلى توسيع جهود التعليم بهدف تدارك التأخر الذي عاشه النظام التعليمي قبل الاستقلال وفي السنوات الأولى التي بدأت الدولة فيها التحرك نحو تعميم التعليم، والذي دفع إلى هذا الاهتمام هو شح الموارد المادية ونقص الكفاءات العلمية والإلحاح المستمر من قبل الدولة في الاستجابة لتحقيق الرغبة الاجتماعية الهادفة إلى توسيع نظام التعليم وتعميمه بهدف تدارك التأخر والسعي إلى تعميم التعليم وتوسيع مجالاته.

والوضع الذي عاشته الجزائر بعد حوادث أكتوبر 1988 عاشت معه تجاذباتٍ فكرية وثقافية دفعت البلاد إلى التفكير في التغيير وإعادة التنظيم ومس أساسيات المجتمع في المجال اللغوي والانتماء الحضاري، هذه الأوضاع دفعت المناقشين إلى إطلاق العنان لمواقفهم ولأفكارهم ليقدّموا أفكارهم، ويطالبوا ببعض المظاهر الفكرية والثقافية، ظهر هذا وظهر معه الاهتمام بالقيم في حياة المجتمع، وهذا الوضع أثر في نظام التعليم، وفي وجهة المدرسة؛ إذ أصبح المناقشون يطالبون بأوضاع تعليمية جديدة ولكنهم لم يحددوا نوع التعليم الذي يجب تبنّيه ونوع المجتمع الذي يطالبون بتكوينه، وظهرت هذه الاتجاهات في الجوانب الإصلاحية التي مست جهات عديدة، إذ بدأ الإصلاح على مستوى الحكومة تم انتقال إلى مستوى الحزب ووزارة التربية، وظهرت مسايرة النظام الإصلاحي المتميز في أغلبه المسايرة لبعض الظروف منها وجدناه يوجه رسائل غير منسجمة مع خيارات المجتمع، وظهر هذا مع وجود خطاب مسجدي غير ملتزم سياسيا بما ينبغي أن يرقى لملامسة هموم الأفراد والاستجابة لحاجاتهم الدنيوية قبل كل شيء، وهذه الأفكار وجدناها في سنة 93 في النقد الموجه للمنظومة التربوية الذي صدر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي اعتبر المنظومة التربوية في ذلك الوقت تسير وفق توجه فيه انحراف عن الخط الذي ينبغي أن تسير عليه المدرسة.

إن الإشارة إلى ضرورة مراجعة لغة الرموز والمصطلحات وإرجاع العمل بها كما كانت قبل التغيير هو التصحيح المطلوب لأنها كانت معربة في الأصل، وتم تغييرها في بداية الألفية الثالثة. ومن الجوانب التي يجب أن يشملها التعليق والتصحيح دروس الحساب هي طريقة كتابة العمليات وتصحيح الاتجاه في كتابتها لتعود كما كانت من اليمين إلى اليسار وإرجاعها إلى الاتجاه الملائم للوضع العربي في كتابة العمليات.

إن هذه الأوضاع جعلت النظام التربوي والمدرسة بصفة خاصة، يعيش وضعا تعليميا يعاني جانبا من الإخفاق وتبرز مظاهرة في وضع غير متكيف مع المشروع التنموي للمجتمع، لأن المشكلة عندنا تطرح عدم التكامل في السير بين التربية والمجتمع، وهذا ما ركز عليه النقاش الذي تم طرحه في “البصائر”.

لكن حوار “البصائر” أثار جوانبَ هعديدة ولم يدقّق في تناولها، ومنها تحميل التربية مسؤولية إخفاق مشروع التنمية، مما فرض علينا التفكير في إعادة النظر في بناء نظام التربية ومعالجة أسباب فشله، وقلة اهتمامه بالعمل لبعث مجتمع قادر على فرض وجوده المتميز، وهذا ما فسّر مكمن العصور في ممارستنا التربوية وضعف العلاقة بين التربية والمجتمع، وضعف هذه العلاقة هو الذي سبَّب الإشكال وجعل التعامل مع الموضوع غير محدد، فلم يتضح: هل هي مسؤولية المجتمع أم مسؤولية التربية؟ وأيهما ينبغي أن يصنع الآخر؟ لا نجد الإجابة واضحة في حياتنا الراهنة، لم يحدد النقاش ما يفيدنا ويحدد لنا الإجابة عن السؤال، لم يحدد النقاش ما إذا كان دور التربية هو الأساس إذ يدفع المجتمع ليمارس ما يحقق وجوده وأهدافه؟ وإذا كان المجتمع هو الأساسي فإنه يدفع التربية لتحدث التغيير الذي يحقق النتائج التي ينتظرها المجتمع، يمكن المدرسة من إحداث التغيير الإيجابي والسؤال الذي تنطلق منه الإجابة هو: هل نصنع نظامنا التربوي ونطمئن به لكفاءته، وقدرته على التغيير، أم إننا نكتفي بالجانب المطبوع مما هو موجود في الأنظمة المعمول بها بناء على قناعتنا به وإعجابنا بما يصنعه مع غيرنا، نتبناه مستفيدين من التجربة الحضارية التي عاشها مجتمعنا قبل اليوم والتجربة التي يملكها تسند وجودنا ونشكل انحيازاتنا الفكرية وتأثيراتنا الحضارية والثقافية مستفيدين من التجربة الإنسانية التي تعيشها الأنظمة وتصنع غيرنا، نستوحي منها الوضع المطوع مما يفيدنا ويفيد صانعيه.

هذا التحليل الذي عرّج عليه النقاش وختم بما يلخّصه، وهو أن النظام التربوي الذي نعلق عليه آمالنا هو الذي يرجع إليه نجاح مشاريعنا التنموية أو فشلها، إذ لا تتم التنمية التي نريدها بمعزل عن النظام التربوي الذي نختاره أو نصنعه بأفكارنا، لأن جوانبه تعيش معنا وفي عقولنا، ولكن ينبغي ألا نحمّله فشلنا إذا ما ظهر جانبٌ من فشله أو فشل إخفاق مشاريعنا التنموية التي بُذلت فيها جهودٌ كبيرة، لذا ينبغي إعادة النظر في بناء هذا النظام لنجعله يتجنَّب أسباب الفشل الذي تجعله عاجزا عن بعث مجتمع قادر على فرض وجوده، هذا هو الطرح الذي يجعلنا نبحث عن إيجاد وضع ملائم لبناء نظام تربوي مساير لإرادتنا وقادر على إنجاز أوضاع مطورة لحياتنا، هذه حقائق يجب أن يستمر النقاش فيها، لأنها أساس بناء السياسة التربوية.

وما يجب أن يتعمق فيه الحوار هو أن يبين أن وضع التعليم لا يزال بحاجة إلى مراجعة، وقد تفرض بعض أوضاعه أن يكون بحاجة إلى ثورة إصلاحية تضبط الوجهة السياسية والاتجاه التربوي الصحيح، الذي يجعل النشاط التعليمي يسير وفق ما تنتظره الأجيال، لأن غايته هي رعاية الأجيال وتهيئتهم للحياة لأنها تنتظر من النظام التعليمي أن يهيئ لها المكان الذي تتلقى فيه التعلم الناجح والرعاية الشاملة، إذ يصبح مكانا مهيئا للهدف الذي نُظم من أجله، مكانا يجعل الأجيال تحس بالراحة النفسية والفكرية والتقدير الاعتباري، ويمكنها من التعبير عن ذاتها وعن شعورها وإبداء رغباتها، ويجعلها تتفاعل إيجابيا مع المحيط المدرسي، وما يرافق هذا المحيط التي يصنعها المعلم والمنهاج والطريقة، والتي تنمي فيهم الشعور الوطني والإحساس والوعي بقيمه ما هم فيه، والرغبة في النمو المعرفي ومسايرة الحياة الاجتماعية.

الجمع بين الفرنسية والإنجليزية في السنة الثالثة، وهذا مخالفٌ للتوجه التربوي الصحيح، كان المطلوب أن يُؤجَّل تدريس الفرنسية إلى ما بعد الابتدائي، وتحل الإنجليزية محل الفرنسية في السنة الثالثة أو الرابعة، لأن الجمع بين لغتين أجنبيتين في سنة واحدة وفي بداية التعلم أمر غير مقبول تربويا، إذ لا يوجد بلد في العالم المتطور يتبنى لغتين أجنبيتين في الابتدائي ومعهما لغته الوطنية.

تمنينا لو أن النقاش أوضح أهمية مراعاة الفوارق الجهوية والطبيعية في تنظيم الدراسات الملائمة للأوضاع والظروف وتحديد بداية اليوم الدراسي ونهايته وفق الظروف، وتحديد ما يلائم فترة الصباح وفترة المساء، وضبط مواعيد الاختبارات الفصيلة وجعلها ملائمة لكل منطقة، وتحديد الوقت الملائم لتنظيم العطلة الموسمية الملائمة للجهة، هذه الجوانب ينبغي أن تراعي في تنظيم السنة الدراسية وفي توزيع الاهتمامات التي يفرضها التوازن في المناطق.

إن مسؤولية التربية هي الأساس في هذه المناقشة وهي التي يمكنها أن تصنع ذاتها وتحدد قيمة وجودها.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة