ما يجري بشأن النيجر
ما يجري بشأن النيجر
عمار يزلي
2023/08/04
التحدّيات التي تواجهها الجزائر في السنوات الأخيرة، ليست واحدة ولا أقل من ذلك: هي حزمة من الرهانات والتحدّيات التي تعمل اليوم بكل ثقلها الديبلوماسي والاقتصادي والسياسي والأمني على مواجهتها، وفي مقدمتها الأمن والسيادة الداخلية عبر طوق الغذاء والتنمية والدفاع عن الحدود الإقليمية.
التحدّيات في الجنوب مع الوضع في النيجر والساحل بشكل عامّ، تجعل الجزائر تستنفر كل طاقاتها الديبلوماسية المعروفة عنها الحكمة والتأني والوساطات وتغليب لغة الحوار على لغة التهديد والوعيد والعقوبات التي لا تضر سوى الشعوب.
المقاربة الجزائرية للوضع في النيجر، هي المقاربة ذاتها التي انتهجتها مع باقي الدول في الجوار الجنوبي، لاسيما دولة مالي، فالجزائر من حيث المبدأ ترافع عبر سياستها الخارجية التقليدية بعدم جواز قلب الأنظمة بالوسائل العسكرية، واحترام الدساتير والاحتكام إلى نتائج الانتخابات والشرعية القائمة. وعليه، فقد ندّدتْ من البداية بالانقلاب على رئيس منتخَب ديمقراطيا وشعبيا، ودعت وتدعو في السر والعلن إلى ضرورة الإفراج عن رئيس الجمهورية والاحتكام إلى دستور البلاد. بالمقابل، ترفض الجزائر منطق التدخل الخارجي مهما كانت دوافعه ومبرراته في الشؤون الداخلية للنيجر أو أي بلد آخر، لقد رأينا الموقف ذاته للجزائر في الكثير من الأحداث بما في ذلك في ليبيا وفي وسوريا، الجزائر لا تتدخَّل ولا تريد أن ترى تدخُّلا سافرا لبلدان أخرى في الشأن الداخلي للبلد الذي يعاني من اضطرابات، إلا عبر قنوات الحوار والصلح والتفاهمات التي تتطلب صبرا وحكمة وحيادا إيجابيا. هو الدور ذاته التي تضطلع به الجزائر اليوم وتريد أن يسود في التعاملات مع الاضطرابات الداخلية.
رفضت الجزائر بحزم التَّهديد باللجوء إلى القوة في استرداد الشرعية في النيجر، كما ترفض مبدئيا العقاب الجماعي على الشعب النيجري عبر الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تهدّد بها دول الإيكواس الـ15ـ ناقص2: مالي وبوركينا فاسو، الدولتان اللتان عرفتا الموقف ذاته تقريبا قبل أقل من نحو عام، وفيه تماهي بين الحالات الثلاث، والعامل المشترك هو فرنسا ووجودها الاستعماري سابقا وعملها التخريبي الاستفزازي الباعث على عدم الاستقرار في منطقة الساحل برمَّتها لاحقا.
الجزائر ترافع اليوم، وعبر المسارات التي تفصح والتي لا تفصح عنها، من أجل حل المشكل والعودة إلى النظام الدستوري والشرعية، لكن من دون اللجوء إلى القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها ولا الاحتكام إلى قانون العقوبات والتهديدات، كونها تعرف نتائج مثل هذه التدخلات الكارثية ليس على الشعب النيجَري، بل على كل شعوب المنطقة. مالي وبوركينا فاسو، أعلنتا من البداية أن أيّ تدخل عسكري محتمل ضد قيادة الانقلاب في النيجر، يعدُّ اعتداءً على الدولتين الجارتين للنيجر، بما يعني أن أيّ تدخل أجنبي سيفجِّر حربا إقليمية على حدودنا الجنوبية بما يشعل المنطقة كلها لسنوات وعقود. هذا ما تخشاه الجزائر، وتعمل على احتواء الوضع عبر القنوات الخاصة بها.
إعلان قيادات الانقلاب في النيجر بإعادة فتح الحدود مع بعض دول الجوار ومنها الجزائر، يفيد بأن هناك تطورات في الاتجاه الذي تريد الجزائر أن تراه قائما في هذا البلد المنهك الفقير وهو الغني.
موقف الجزائر واضح من المسألة النيجَيرية كما كان موقفها واضحا من الوضع في مالي، ومقاربتها في ذلك أن تعمل قيادات الانقلاب على العودة إلى الشرعية الدستورية واحترام سيادة القانون والدستور وإطلاق سراح القيادات السابقة، ورفض التدخل العسكري ورفض العقوبات الاقتصادية.. موقف حاسم وحازم، وللجزائر دور وكلمة في هذا الموقف كون النيجر بلد جار وما يمسّ الجار يمسّ أهل الدار.