أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”.
من شرائع الإسلام الكبرى الزكاة، وهي الركن الثالث من أركانه العظام، وقد دل على وجوبها الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وجاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}، فكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، وفي الصحيح عنه صلّى الله عليه وسلم قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار».
وورد في الصحيح ما خلاصته أن صاحب الإبل والبقر والغنم إذا لم يؤد حقها، بطح له يوم القيامة بقاع قرقر، أي: أنه يبطح على وجهه في أرض مستوية واسعة، ثم تأتي هذه البهائم فتطؤه بأخفافها وأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.
إن من يؤدي حق الله في ماله فإن ذلك مما يقربه إلى ربه، ويزيد في إيمانه، ويعظم له في أجره: “من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يأخذها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوَّه حتى تكون مثل الجبل”، وأداء حق الله في المال من أسباب دخول الجنة: “إن في الجنة غرفا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام”.
وإخراج أصحاب الأموال زكواتهم له آثار طيبة على الفرد والمجتمع على حد سواء، فهي تعود على المجتمع كله بالنفع والخير، فمن فوائدها أنها تفي بحاجة الفقراء، والذين هم في الغالب الفئة المحرومة في المجتمع، فلا يضطرون إلى بذل ماء وجوههم ليحصلوا على لقمة العيش لهم ولأبنائهم، فتأتي الزكاة لتدفع عنهم الغبن وترفع من شأنهم.
ومن آثار الزكاة الطيبة أن الغني حينما يزكي ويعطي قسطا من ماله للفقير، فإن ذلك أدعى بأن ينزع الحقد والضغينة من قلب الفقير والمسكين، فيعلم المحتاج أن الغني مساند وعون له، وأنه لا ينظر إليه بعين عليا، وهذا ما يزيد في الحب والمودة بين أفراد المجتمع غنيهم وفقيرهم، وذلك لما في الزكاة من بركة، وهذا مما لا ريب فيه له تأثير كبير على الناس بشكل عام، فإن زادت الأموال المبارك بها كان لذلك تأثير واضح على الدولة برمتها، من خلال زيادة الاستثمار وقوة الاقتصاد.
وفي أداء الزكاة مساهمة في علاج الفقر، ودرء لكل الجرائم والرذائل، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية، ومشكلات تؤثر على المجتمع بأكمله؛ فهي تحد من انتشار الجرائم كالسرقة والنهب، وذلك لأن الغني حينما يخرج زكاته فإنها تقضي حاجة الفقير وتسدد ديونه، وتتيح له الفرصة للإنفاق على حاجياته، وبالتالي نجد أن الزكاة ترفع الروح المعنوية للفقراء، وتزيد شعورهم بالراحة؛ ولذلك فهي حماية لهم من الانحراف واللجوء إلى الطرق والوسائل غير المشروعة.
والزكاة حق لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعا أو يدفع ضرا، أو يدفع بها عنه مذمة، بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها لكونهم من أهلها لا لغرض آخر، مع طيب النفس، والإخلاص لله في ذلك حتى تبرأ ذمته، ويستحق جزيل المثوبة والخير، وقد أوضح المولى سبحانه في كتابه الكريم الأصناف المستحقة للزكاة فقال سبحانه: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}.
* إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.