عندما تتحوّل نعمة الفراغ إلى نقمة
لا شكّ في أنّنا جميعا نعلم وربّما نحفظ حديث النّبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ؛ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ”. لكن من منّا يسأل نفسه عن هذه الأربع؟ عن أوقاته وعن صحّته وعن ماله وعن علمه؟ من منّا يستشعر حقيقة أنّه مسؤول لا محالة عنها بين يدي الله جلّ وعلا، وأنّ الإجابة ستكون صعبة وربّما مخزية لمن سها ولها ونسي الموعد والمنتهى.
الفراغ نعمة من نعم الله تبارك وتعالى؛ لكنّ أكثر النّاس مغبونون في هذه النّعمة، لا يقدرونها حقّ قدرها، كما قال نبيّ الهدى عليه الصّلاة والسّلام: “نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس؛ الصحّة والفراغ”؛ مغبون من يظنّ الحياة لهوا ولعبا.. مغبون من ينفق أوقاته في قيل وقال وغفلة وسوء حال.. مغبون من يملأ فراغه بما يقسّي القلب ويثقل الرّوح ويلهي عن المنقلب والمآل.
إنّ العمر -أخي المؤمن- أيام تتعاقب، ويوم يضيع في غير طاعةٍ لله وفي غير مصلحة دنيوية أو أخروية، هو خسارة عظيمة لك ولأمّتك. ربّما تحسب ألف حساب قبل إخراج دينار من جيبك، لكنّك تنفق أوقاتك من دون حساب، ووقتك هو رأس مالك؛ يقول صحابيّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي”.
إنّه لأمر مؤسف حقّا أن يعيش شباب في عمر العطاء، لا يبالون بإضاعة أيامهم وقتل أوقاتهم في اللّهو والغفلة.. ضياع ما بعده ضياع وحرمان ما بعده حرمان، أن يألف شبابنا النّوم في مواسم العطل حتى الضحى أو ما بعد الضحى، تطلع عليهم الشمس وتتوسّط كبد السماء وهم يَغُطون في نوم عميق، قد بال الشيطان في آذانهم، إذا قام أحدهم قام وهو ثقيل الخطى خبيث النفس هزيل القوى كسلان، على حين تطلع الشمس على قوم آخرين من غير أهل الإسلام وهم منهمكون في إصلاح دنياهم وتدبير شؤونهم.
نعم. الرّاحة بعد عام من الجدّ مطلوبة؛ لكنْ أن تستغرق الرّاحة أشهرا متتالية، فهذا أمر منكر. حرام -أخي الشابّ- أن تمضي أشهر الصّيف كلّها بين نوم ومباريات وجلسات سمر وقنوات. سنوات مرّت من عمرك وربّما لم تختم القرآن ولو مرّة في حياتك، وربّما لا تحفظ من كتاب الله جزءًا واحدا، ولا تحسن تفسير سورة الفاتحة وآية الكرسي والمعوّذتين فضلا عن غيرها من السّور، وربّما إلى الآن لا تحفظ أذكار الصّباح والمساء ودعاء الصّلاة على الجنازة!
أخي المؤمن، يا من أنت الآن في إجازة؛ من حقّك أن ترتاح وتروّح عن نفسك، لكن ليس من حقّك أن تمضي ساعاتك وأيامك كلّها في التّرويح وإضاعة الواجبات.. اتق الله، فالعمر أنفاس لا تعود إلى يوم القيامة. اجعل لك هدفا في هذه العطلة تسعى لبلوغه. قل مثلا: سأحفظ الحزبين الأخيرين من القرآن، وأتقن تفسيرهما، سأحفظ أذكار الصّباح والمساء والنّوم والاستيقاظ والدّخول والخروج، سأقرأ كتابا مختصرا في العقيدة، سأطالع باب الطهارة وباب الصّلاة في الفقه.
أيام الصّيف أيام طويلة، وهي فرصة لا تعوّض لمن أراد أن يغيّر حاله ويرفع عن نفسه الجهل بدينه، والعطلة لا تعني أبدا العطالة من كلّ شيء؛ اجعلها عطلة من أمور الدّنيا وأقبل على أمور الآخرة. ارتح قليلا من هموم دنياك واحمل همّ أخراك، وأعد تنظيم حياتك وترتيب نفسك.
عندما تتحوّل نعمة الفراغ إلى نقمة
سلطان بركاني
2023/07/26