الجزائر في الصين
الجزائر في الصين
عمار يزلي
2023/07/17
منذ أكثر من 60 سنة، بقيت الجزائر تربط علاقاتها الثورية بشكل كبير مع المعسكر الاشتراكي أنذاك بقيادة الاتحاد السوفيتي وأيضا الصين الشعبية وباقي الدول الصديقة الاشتراكية في العالم بدءا من يوغوسلافيا ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي ومنها كوبا.
هذه العلاقات بقدر ما كانت وطيدة وقوية، فقد كانت علاقات سياسية أكثر منها شيئا آخر، رغم حجم اعتماد الجزائر على الاتحاد السوفيتي في بعض المجالات الأمنية والتسليح وأيضا في بعض قطاعات الصناعات الثقيلة بداية التصنيع في الجزائر بعد 1973، ومنها إنشاء مركّب الحجّار في عنابة الذي كان بمساعدة سوفيتية ضمن ما كان يُسمَّى وقتئذ بمخطط “ديبرنيس” التنموي، الذي يعتمد على “الصناعات المصنّعة”، إضافة إلى بعض المساعدات بين الدول التي كانت تتم ضمن أطر التعاون والتضامن السياسي بين الدول والشعوب. الأمر ذاتُه حدث مع القارة الإفريقية، إذ كانت الجزائر تعتمد في بداية الاستقلال على التعاون الإفريقي عبر التبادل السلعي والمقايضة من دون أموال تُدفع ولا مدفوعات مالية، وغالبا ما كانت هذه التبادلات في شكل هِبات ومساعدات تضامنية لا تفي بالغرض أحيانا: مثلا، كانت بعض دول الجوار تدفع للجزائر جلود الحيوانات بشكل كبير، غير أننا لم نكن قادرين على تحويلها بسبب ضعف صناعة الجلود عندنا وقتئذ.
مع المعسكر الاشتراكي، كانت الجزائر تبحث عن مخرج تنموي يسدُّ حاجاتها من كل شيء بعد ما دمَّر الاحتلال كل ما تركه خلفه من مصانع وورش وهذا قبيل خروجه صاغرا في 5 جويلية 1962.
الاتحاد السوفيتي هو نفسه كان يعرف خللا تنمويا باعتماده على الصناعات الثقيلة على حساب الصناعات الخفيفة والموارد الزراعية، مما تسبَّب في نقص حاد أحيانا في المجال الغذائي. هذا، في الوقت الذي كانت الصين تعتمد سياسة اقتصادية جديدة مختلفة عن تجربة الاتحاد السوفيتي، والتي اعتمدت بالأساس على تطوير الزراعة بوسائل يدوية من دون تكنولوجيا صناعية من أجل امتصاص البِطالة في مجتمع كان يقترب من المليار ساكن. نجحت الصين في ذلك، وها هي اليوم تنافس أكبر الاقتصادات الغربية بدءا من الولايات المتحدة في كل شيء، حتى في مجال الرقائق الالكترونية التي تزعّمت الولايات المتحدة تصنيعها ودمجها في مجال الاتصالات وفي السلاح الذكي وفي الطيران والفضاء والغواصات والصناعات النانوية.
اليوم، ومع الإصلاح والثورة التي يقودها رئيس الجمهورية من أجل اللحاق بصفّ التجارب الأولى التي كبرت اليوم وصارت تنافس أكبر القدرات الاقتصادية العالمية، من روسيا إلى الصين إلى الهند إلى البرازيل إلى جنوب إفريقيا، تعمل الجزائر على تحويل العلاقات السياسية سابقا إلى فعل اقتصادي استثماري تنموي وهذا بعد أن صارت هذه البلدان ومنها الجزائر جاهزة لتبادل التجربة والخبرات والقيم والاستثمارات حتى تلك الكبيرة والضخمة في مجالات الطاقة الشمسية والفضاء وتحلية المياه والزراعة الواسعة والتحويلية، لاسيما في مجال المناجم، التي كدنا لسنوات أن نطوي ملفها التحويلي، بعد ما تركناها لسنوات مهمَلة وتُنهب كمادة خام بأرخص ثمن لتعود إلينا في شكل مواد صناعية محوَّلة تباع لنا بأغلى ثمن.
اليوم، صار بالإمكان أن نبني اقتصادنا من خلال الاستثمارات المتبادَلة مع الصين كأول شريك اقتصادي يتجاوز 13 مليار دولار، وقد تكون المبادلات المستقبلية باليوان الصيني، ثم عبر العملات المحلية الرقمية فيما بعد. الأمر ذاتُه مع روسيا التي قد ترتفع وتيرة الاستثمارات والمبادلات التجارية البينية لتتجاوز عتبة الـ3 ملايير دولار الحالية لتصل إلى آفاق أوسع في عام 2030.
ينطبق هذا مع باقي الدول التي قد تعتمد فلسفة التعاون والتبادل على أساس قاعدة “رابح رابح”.