/شعاع/المتقـاعدون …وواجباتنا نحوهم
أقولها صريحــة مدويّة «الويل لأمة تفرّط في متقاعديها» .. «الويل لمجتمع يغفل عن كباره» الويل لمــنْ ينسى عطاءهم وكفاحهم وجهودهم وجهادهم.
أسطّرهذه الكلمة من وحي تظاهرة تكريمية قامت بها جمعية متقاعدي التربية في قسنطينة، حضرتُ جانبا منها، قبل نحو أسبوعين، في إحـدى قاعات المحاضرات، في مركّب مالك حدّاد الثقافي..
لاريبَ أنها لفتـة كريمة طيبة من الإخوة المشرفين على هذه الجمعية (جمعية متقاعدي التربية)، وقد تذكّروا أصنافا من المربين (أصحاب الأمراض المزمنة، وأصحاب الأعمال والانجازات المحترمة، والمتوفين (رحمات الله عليه )، وسواهم من المربّين والمربّيات، ومن كان لهم دور في المسار التربوي لمنظومتنــا؛ حيث كافحوا من أجل ذلك، وأفنوا أعمارهم في التضحية والبذل على مدار عقود طويلة من الزمــن، ليجدوا أنفســهم أمام واقع لم يتصوّروه.
أتحدث هنا عن المشهد العام للمجتمع كله، بـمختلف مكوّناته … في علاقته بمن يُسمّون ـ خطأ ـ بـ«المتقاعديــن» و«المتقاعدات»، أيا كان الميدان الذين كانوا يعملون فيه، سواء في قطاع التربية والتعليم، أم في قطاعات وميادين أخرى، وهو أمريحتاج إلى نقاش كبير، وإلى تمحيص وتحليل وإعادة تركيب؛ لأن المشهد في عمومه لا يســرّ ..ولا يطمئـن.، وفيه قـدر من الظلم والنكران والخذلان …وعدم الإقرار بالمعروف، لا يستحقه هؤلاء الأخيار والخيّرات. ولنسأل أنفسنا هذه الأسئلة:
هل ينعم متقاعدونا بحياة كريمة طيبة؟
هل تلبّى جميع احتياجاتهم؟
كيف ننظـر إليهم ؟هل ننظر إليهم كـ «خزّان خبرة» يُستفاد منه في كل ميدان، أم ننظر إليهم كعبء ثقيـل؟
هل يجدون التقدير المعنوي الكافي من كل من يجب أن يقدّرهم ويبجلهم، بدءا بأسرهم وعوائلهم، ثم بالمؤسسات التي كانوا يعملون فيها؟ ثم المجتمع كلّه؟
هل قدّرهم المجتمع ويقدّرهم، ويُشعرهم بما يجب أن يشعروا به ـ في مثل هذه السّــنّ ـ المتقدمة؟
إن الحاجات عند هؤلاء الأفاضل الأخياركثيرة ومتنوعة، وبعضهم يعيش أوضاعا مزرية بكل ما تحمله الكلمة من معان، ولكن حاجاتهم المعنوية من:تقبّل، وحسن استماع، و لطف، وتقدير، وإحسان، واعتراف بالجميل، ومحبة وحنوّ هي الـحاجات الأعلى والأكثر طلبا ،وقد أشار إلى ذلك بعض المتدخلين …
الجميل والمسعد أن هذه الحاجات المعنوية العاطفية النفسية لاتحتاج إلى المال وإلى الإمكانات المادية والمالية، بل تحتاج إلى «أناقة داخلية» لدينا جميعا،ولدى المسؤولين خاصة، أناقة تسمح لنا أن نضع في اعتبارنا: أن توقير الكبير وتبجيله والتلطّف معه، وتفقّده، وشكره والثناء عليه وتقديره أمر بسيط لا يكلّف، وليس فيه مشقّة …ومع ذلك فهو عظيم الأثر، كبير الوقع عند هؤلاء الكبارالمتقاعدين كما نسميهم.
يكفي أن نفتح لهم قلوبنا ونشعرهم بالدفء والاهتمام.
يكفي أن نلتقط «احتياجاتهم» العاطفيةوالنفسيــة ونلبّي لهم منها ما نستطيع، بصدق ودون تكلّف ولا تأفّف.
هل نفعـل ذلك؟ لكل واحد منا أن يجيب على المستوى الفردي أو الجمعي أو المجتمعي.
من يتمعّن ويتفحّص أحوال هؤلاء الكبار (قيمة وقامة) وقد أهدوا (حتى لا أقول أهدروا) أعمارهم على بلدهم ومجتمعهم يجد أنهم لايجدون في الكثير من الأحيان حتى أماكن يجتمعون ويلتقون فيها، فما بالك بأكثر من ذلك. ولا نتحدث عمّن يُلقى بهم في دور العجائز (المسمّاة دور الرحمة) ويُتخلّص منهم بأبشـع الطرق وأوسخ الأساليب .
رأيت الكثيرمن المشاهد ،مما يُبـكي ويدمي القلب، الكثير مما ينبغي أن ينبّهـنا إلى «عظائم الأمور» والواجبات العاجلة في حياتنا؛ مما يجب أن نفتح فيه ورش التفكير الجاد في تهيئة الظروف والمناخات المناسبة لهذه الشريحة التي بلغتْ ما بلغت من أعمارها، وهي في أمسّ الحاجة إلى كل عناية، واهتمام، ومحبة وتقدير مـن الجميع ،دون استثناء، فليس منّا في ديننا من لم يعرف حقّ كبيرنا.
ثمة أفــكار كثيرة في ذهني أريد الإعراب عنها في هذا السياق وأهمها:
1ـ وجوب إعادة النظر في مسألة «المتقاعدين» كليا، برؤية خاصة تصوّب الخطأ القائم، وتعيد تشكيل المنظور الذي يجب أن ننظر به إليهم؛ بحيث يكون النظر إليهم كخزّان تجربة لا مثيل له؛ خاصة من تمرّسوا واكتسبوا التجربة ذات القيمة (وما أكثرهم).
2ـ وجوب الاستفادة منهم ، كل في ميدانه ومجاله وحقل عمله .ولن نعدم طرقا وصيّغا تسهّل علينـا ذلك، عندما نحسـنُ الظنّ بكوادرنا وإطاراتنا ونحسن معاملتهم وتقديرهم.
3ـ في الإمكان أن نجد حلولا لمشكلاتهم؛ بتعزيز منظومة العناية بهم، ودعمهم، وتوفير الأساسي من كل شيء مادي ومعنوي لهم …وأن نفتح لهم الآفاق للاستمتاع بالحياة وبذل ما في الوسع مما يفيد مجتمعهم وأمتهم، كل في حقل تخصصه وما برع فيه.
4ـ أن نرتقي بمستوى الاهتمام بهم، ونعمل على تمكينهم من كل ما يجعله أوفر سعادة وأكثراطمئنانا وأمانا، وهذه مسؤولية المجتمع كله الذي يجب أن تتدفق فيه ثقافة الإحسان للكبار، رجالا ونساء، وتقديرهم.
5ـ أن نستفيد من تجاريب الدول والمجتمعات الأخرى في معاملتها لهذه الشريحة الإنسانية وما وفرته وتوفّره لهم ليكونوا ـ أواخر أعمارهم ـ في أحسن حال قدر المستطاع.
6ـ أن نحرص على إدخال السرور إلى قلوبهم وقلوبهن بمختلف الصيّغ، ونوفر لهم ولهنّ الحد الوسط في التمتع بالحياة، بما يرضي الله ويحقق لهم الأمان والدفء والعيش الكريم الهانيء.
7ـ أن نهيء لهم ـ قدر المستطاع ـ بيئة حاضنة طيبة فيها أماكن وفضاءات اللقاء والتواصل والنقاش والعبادة والانبساط…والذكريات الجميلة.
إن الأصل في ديننا أن إكرام المسنّ واجب، وتوقير الكبير أيضا واجب .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا».
وكلمة أخيرة عن هؤلاء الأخياروجمعية العلماء ..أقول بوضوح: يمكن الاستفادة منهم ومنهنّ على أحسن ماتكون الاستفادة، من خبراتهم وتجاربهم، من إبداعهم وخلاصات ماخزّنوه، على مدار عقود من الزمن، من أوقاتهم وعلمهم، ومسارهم المهني ومهاراتهم.
وإنني لأدعو لتنظيم ملتقى علمي نوعي في هذا الموضوع يكون موضوعه ا لرئيس «كيف نستفيد من تجاريب إخواننا وأخواتنا المتفرغين والمتفرغات»؟.
وسنرى كمّ الثروة البشرية والفكرية والإنسانية التي سيعطيها هؤلاء وبالأخص النخبة الرسالية منهم.
ليس عزيزا تحقيق ذلك على الجمعية أو على شُعبة من شُعبها الكريمة الرائدة في مجال النشاط العلمي ـ الفكري، وسيكون ذلك ملمَح قوّة في برامج الجمعية بحول الله تعالى.
والله المستعان .
/شعاع/المتقـاعدون …وواجباتنا نحوهم
شعاع
المتقـاعدون …وواجباتنا نحوهم
2023-07-03
يكتبه: حسن خليفة/