بكثير من الاعتزاز، يسمّي الجزائريون بلادهم “القارة”، وهم يشيرون في ذلك إلى امتداد البلاد في قلب القارة الإفريقية، وعيونها مبصرة للقارة الأوروبية، كأكبر بلد في إفريقيا، وعاشر بلد من ناحية المساحة على وجه الأرض، لكن ما يغفل عنه كثيرون أن إطلالة الجزائر على البحر الأبيض المتوسط، بشريط ساحلي لا يقل عن 2100 كلم، حسب ما كشفت عنه وزارة البيئة والطاقات المتجددة، حسب دراسة جديدة أعدّتها منذ بضعة أيام، يجعلنا نؤكد بأنها محيط من المياه، بإمكانه أن يجعلها كوكبا حيّا، قائما بذاته، أرض بمساحة قارة، وبحر بمساحة محيط، يمكنها أن تعيش بإمكاناتها وتعيّش معها بلادا وقارات أخرى.
ما أبرقته الدولة الجزائرية في عيد الاستقلال، عن تمكين كل ولاية من مياه تحلية البحر، والرقيّ بالجزائر إلى المركز الأول إفريقيًّا ومن بين أكبر بلاد العالم استغلالا لبحرها في الشرب وخدمة أرض الشمال الجزائري، هو استقلالٌ جديد في حد ذاته، ينقذنا نهائيا من أزمة المياه التي صارت تعتصر العديد من البلدان، بسبب التغيرات الجوية التي ارتقت ببعض ولاياتنا إلى رقم مهول من الحرارة، تجاوز الخمسين درجة. ولأن مياه البحار هي ثروات متجددة، تعطي الماء والغذاء الذي لا ينضب، فإن الاستثمار فيها هو مشروع أمة حقيقي، خاصة أن إنجاز مشاريع تحلية مباه البحر مرفَقة بنقل كامل للتكنولوجيا من أجل استقلال علمي مواز.
يوجد في العالم ما لا يقلُّ عن أربعين بلدا لا ينعمون بشبر واحد من الشواطئ المطلة على البحر أو المحيط، أو “البلاد الحبيسة” كما تُسمَّى، ومنها النمسا والمجر والتشيك وصربيا وسويسرا وزامبيا وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وغيرها من البلدان، ومنها حتى من تزيد مساحتها عن مساحة الجزائر ولا تطلّ على البحر وهي كازاخستان، ومع ذلك تتمكن هذه البلاد من توفير الماء والغذاء لشعبها، وستجد الجزائر نفسَها، إن تمكنت من تحقيق نصرها في تحلية مياه البحر، في بحبوحة مائية تمكنها وبسهولة تامة من تحقيق أمنها الغذائي، من خلال تحويل مياه السدود بالكامل إلى قطاع الفلاحة، خاصة أن المحيط الشمالي الممتد على مساحة تزيد عن ألفي كيلومتر، يقابله محيط جوفي من المياه في الجنوب، يزيد مخزونه عن 60 ألف مليار متر مكعب، بإمكانه أن يحوّل البلاد إلى قارة خضراء تنتج كل ما لذ وطاب ونبت على الأرض.
تعيش بلدانٌ كثيرة وصغيرة من بحارها، فتصنع من مياهها صناعتها السياحية والترفيهية من مسابح ونافورات وشلالات وحدائق مائية وفنادق ومركّبات سياحية كما هو حال مالطا واليونان، ويشرب أهل المملكة العربية السعودية وعشرات الملايين من زوّارها من مياه البحر المحلّاة، وتسيطر أخرى بفضل مياهها على أسواق السمك العالمية مثل فيتنام والفليبن والبيرو، وستكون الجزائر بالتفاتتها إلى الشمال، حيث بحرها المحيط في عالم جديد، ينافس عالم النفط الذي عاشت منه أكثر من نصف قرن وعالم الثروات المنجمية التي حباها الله بها.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.