بالرغم من ارتقاء خمسة شهداء فلسطينيين جدد خلال اجتياح قوات الاحتلال الصهيوني مخيم جنين يوم الاثنين، إلا أنّ الطريقة التي واجهت بها المقاومة جنودَ الاحتلال، فاجأتنا جميعا، وليس الكيان وحده، وستجعله منذ الآن يفكّر ألف مرّة قبل القيام باجتياحات جديدة لهذا المخيّم الصغير الذي طالما أقضّ مضاجع العدو، واستحقّ لقب “جنينغراد” خلال الانتفاضة الثانية.
تعوّدنا أن يقوم جيشُ العدوّ في كلّ مرة باجتياح جنين ونابلس وغيرهما من مناطق الضفة الغربية المحتلة، ويخلّف وراءه ضحايا عديدين وينسحب بعدها آمنا رغم ضراوة المقاومة التي يُجابَه بها جنودُه، أما هذه المرة فقد حدث ما لم يكن العدوّ يتوقعه تماما؛ إذ استدرجه أبطالُ المقاومة إلى كمين محكم في داخل المخيّم قبل أن يفجّروا عن بُعد عبوّة ناسفة تزن نحو 40 كيلوغراما في إحدى آلياته المدرّعة التي لا يقلّ وزنُها عن ستة أطنان وتنسفها وتُحرق عدة جنودٍ داخلها وتصيب ستَّ مدرّعاتٍ أخرى، ثم ينهال الرصاص كالمطر على الجنود الصهاينة من كلّ جهة، فيُسقَط في يد العدوّ ويضطرّ إلى الاستنجاد بطائرات الأباتشي العمودية الأمريكية، لأول مرة منذ سنة 2002، لقصف مواقع المقاومين وتوفير الأجواء لإخلاء الضحايا من جنوده وكذا آلياته السبع المعطوبة، فلا يستطيع ذلك إلا بشقّ النفس وبعد ثماني ساعات كاملة، ومع ذلك تكتّم العدوّ على خسائره الحقيقية ولم يعترف سوى بـ”إصابة” سبعة جنود بجراح، وهي رواية مثيرة للشكوك.
ما وقع في جنين أوجع العدوّ وأربكه، وجعل إعلامَه يصف المعركة بأنها حدثت بين “جيشين” وليس فقط بين جيش الاحتلال ومجموعة مقاومين بسطاء مزوّدين بأسلحةٍ خفيفة، كما قال إنّ ما حدث يذكّره بالتجربة الأليمة مع مقاتلي حزب الله في الشريط الحدودي بجنوب لبنان.
اليوم يتّضح أنّ المقاومة بالضفة الغربية قد بُعثت من تحت الرماد بعد أن قضى عليها الاحتلالُ في السنوات الماضية بفعل نجاعة “التنسيق الأمني” بينه وبين السلطة الفلسطينية، ويتّضح أنها استفادت من أخطاء الماضي وأعادت هيكلة نفسها، وتجذير وجودها في مخيمات الضفة، وطوّرت قُدراتها التسليحية بالتدريج، معتمدة على كفاءاتها البشرية المحلية بالدرجة الأولى، وما تستطيع تهريبه من سلاح.. وهي تشقّ طريقها بثبات وتتّجه نحو فرض معادلة جديدة على الاحتلال مفادها أنه لا اقتحام بعد الآن يعيث فيه جنودُه فسادا وقتلا وإجراما ثم ينسحبون من دون خسائر.
وبرغم الصمود الأسطوري للمقاومة المتنامية في جنين وغيرها من مناطق الضفة الغربية المحتلة، فإنّها تبقى بحاجةٍ ماسّة إلى أسلحة نوعية تمكّنها من الانتقال من مرحلة الصمود أمام الاحتلال إلى مهاجمته في كلّ نقطةٍ بالضفة الغربية إلى غاية دحره وإجباره على الانسحاب منها مهزوما مدحورا كما حصل له في غزة في أوت 2005.
لقد رأينا جميعا كيف مكّن تدفّقُ الأسلحة الغربية النوعية الجيشَ الأوكراني من الصمود إلى حدّ الساعة أمام الجيش الروسي، وهو أحد أقوى جيوش العالم، ولو مكّنت الدولُ العربية والإسلامية الـ56 مقاومي الضفة من عُشُر هذه الأسلحة، العُشر فقط أو أدنى، لتغيّر الوضعُ جذريا على الأرض، ولما صمد الاحتلالُ فيها عاما واحدا.
وللأسف، ليس هناك أيُّ مؤشر على استفاقة البلدان العربية والإسلامية واتجاهِها إلى مدّ المقاومة في الضفة بما تيسّر من السلاح الذي صدأ في مخازن هذه الدول، ومع ذلك تضرب المقاومة الفلسطينية في كلّ مرة أروع الأمثلة في الصمود والثبات والتصدي لعجرفة العدو ومفاجأته من حيث لا يحتسب، وتطوّر قدراتها التسليحية باستمرار وهي تحت حصارٍ خانق، وتلك معجزة حقيقية!
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.