موعدٌ مع التاريخ.. الشخصي ل- عبد الناصر بن عيسى 2023/06/09
لو سألتَ أي جزائري، من الذين بلغوا من العمر كهولةً أو شيخوخةً، من الجامعيين أو الذين توقفوا على حافة الجامعة، عن اليوم والسنة والمكان الذي أجرى فيه امتحان شهادة البكالوريا، لما توقف عن الحكي وبالتفصيل غير المملّ، عن حدث تاريخي عاشه وقد يكون الأهم في حياته..
فقد كانت هذه الشهادة ومازالت وستبقى، واحدة من المحطات المهمة في تاريخ أي فرد جزائري وفي تاريخ عائلته، ليس بالكمّ الهائل من المشاعر والإنفاق الكبير على دروس الدعم فقط، وإنما برسوخ هذا الامتحان في وجدان الناس، الذين جعلوه مقياسا للكفاءة والصبر والقدرة على التحدي والذكاء، وهو في الغالب، مفترق الطرق الذي يحدد مسار شاب في عنفوان القدرة، إما لمواصلة الطريق في عالم المعارف، والسعي للشهادات المهنية، أو التحول إلى عالم العمل، والبحث عن وظيفة، ربما لم تخطر على البال قطّ.
صحيح أن البكالوريا، في السنوات الأخيرة، امتزجت ببعض الشوائب، من غش ولا مبالاة واحتقار للهدف الجامعي والدروس الخصوصية التجارية وغيرها، ولكن الامتحان مازال صامدا تقوم لأجله الدنيا ولا تقعد، فتعيشه الأمهات والآباء بوجدانهم، كحدث جلل، إذا كان ابن أو ابنة من العائلة معنيّا باجتيازه، وتعيشه الحكومة بكل حقائبها، كما تعيش مواعيدها السياسية الكبرى من انتخابات وقمم سياسية واقتصادية، ويدخله الممتحَن كأهم موعد في حياته على الإطلاق.
يطرح بعض رجال التربية في الفترة الأخيرة، أفكارا عصرية، لأجل تغيير نظام الانتقال إلى الجامعة، وهناك من يقترح قبر البكالوريا الحالية نهائيا، مع التغير الحاصل في النسيج العلمي والتربوي وخاصة الاقتصادي، ويقترحون نقل البكالوريا إلى “المخبر” لأجل القيام بتجارب أو عرضها على عملية جراحية كاملة أو تجميلية لتحويلها إلى جسد تعليمي مغاير، كما هو حاصل في بلدان أخرى. لكن الحقيقة أن الدخول إلى الجامعات في كل بلاد الدنيا، يتطلب امتحانا عسيرا، لأجل التمكُّن منها، فالأسماء تختلف من امتحان “قاوكاو” في الصين إلى “الثانوية العامّة” في مصر، ولكن اللبّ واحد، وهو ضرورة دفع “قرابين” من الجهد والتضحية والذكاء، لأجل طرق أبواب مختلف العلوم الممكنة في الجامعات، بحثا عن مهنة المستقبل التي تبني حياة الفرد وعائلته والمجتمع، وهو ما جعل البكالوريا، برغم تغير المناهج والتسميات، ثابتا لا بد من اجتيازه للتنقل إلى الجامعة أو اختيار طريق آخر.
على بُعد ساعات قليلة من موعد امتحان البكالوريا في الجزائر، التي تهمّ الملايين بين طلبة وأولياء وإطارات تربوية ونفسانية وصحية وأمنية وإدارية تعمل في حقلها، يمكن ملاحظة وزن هذا الموعد التعليمي في حياة الجزائريين، كآخر الامتحانات المحترمة في بلدنا بعد أن طال الفسادُ غالبية القطاعات التكوينية والمهنية، ونجت البكالوريا التي تُشدّ إليها الرحال المعنوية، من كل أطياف المجتمع.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.