ما إن خرج التلاميذ من آخر امتحان حتى أتوا على أوراق الكراريس فمزقوها ورموها، شوهوا بها الشوارع، وامتهنوا بها العربية والعلم والتربية .
قد حبانا الله الصحة في البدن، والأمن في الوطن، وأعطانا الغذاء والكساء، والهواء والماء، وغيرنا في كثير من البلدان يعيش خائفا مهمومًا مغمومًا حزينًا كئيبًا، عندنا الخبز الدافئ، والماء البارد، والنوم الهانئ، والعافية الوارفة.
جعلنا ربنا بفضله من المسلمين، وبنعمته سهل لنا فهم العربية لغة القرآن ومسك الكلام، وأعظم الإعجاز، وأروع البيان، وكلام رب الأنام، ويسر لنا فهم الحديث والدروس المحمدية، الحلل الندية، والبسمة الشجية.
فهل نحن من الشاكرين ولنعم الله من الحامدين؟
إن تقدير الخير واحترام النعم وشكر المنن خلق كريم وواجب عظيم.
والحمد والشكر يكون بالقلب، بالإقرار أن النعم من الله وحده، وباللسان بالتحدث بها والثناء الجميل على المولى الكريم، وبالجوارح بتسخير النعم في طاعة الله وتصريفها في مرضاة الله.
وقد كان سلفنا يعظمون نعم الله، ويرضون بعطائه، ويخصون نعمتين بمزيد من الشكر- بعد نعمة الإيمان والإسلام-:
الأولى نعمة الطعام: وقد جعل الله فيه الحياة والقوة واللذة، وأمر بالحمد بعد تناوله، فكيف يصح رمي الخبز وبقايا الطعام، وبه ينتفع إنسان أو حيوان، وحسن الجوار لنعم الله من تعظيمها، والرمي بها من الاستخفاف بها، وفي الحديث:» إِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا»(مسلم).
وقال فقهاؤنا: إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة مما يؤكل فإنه يرفعه عن موضع المهنة إلى موضع طاهر يصونه فيه.(الدر الثمين والمورد المعين) .
الثانية الأوراق المكتوبة بالعربية: والفتوى بعدم جواز إلقائها على الأرض، أو رميها في المزابل، أو استعمالها للتنظيف، أو جعلها تحت الأرجل في السيارات، أو الجلوس عليها، أو الصلاة عليها، أو لف السلع بها.
وإنما الواجب صيانتها أو إحراقها أو دفنها في مكان طاهر، قال الدسوقي: مَنْ رَأَى وَرَقَةٌ مَكْتُوبَةٌ مَطْرُوحَةٌ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا كُتِبَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُهَا مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ لِتُوطَأَ بِالْأَقْدَامِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا آيَةً أَوْ حَدِيثًا وَتَرَكَهَا كَانَ ذَلِكَ رِدَّةً… ومِثْلُ إلْقَاءِ الْقُرْآنِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً إلْقَاءُ أَسْمَاءِ اللَّهِ إلَخْ وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَقْرُونَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ- إذَا كَانَ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّحْقِيرِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهَا.(حاشية الدسوقي) .
واليوم قد عمت البلوى بهذه الظاهرة، وأصبحت تجد مشقة عظيمة وأنت ترى الأوراق ملقاة على الأرض، ولو اشتغلت حياتك بالتقاطها ما استطعت، فهل هانت على أبنائنا عقيدتهم ودينهم ولغتهم؟.
ورحم الله عمي الذي لم يكن دكتورا، وما دخل يوما مدرسة، وإنما تخرج من كتاب، كان يحمل في جيبه كيسا وكلما رأى ورقة مكتوبة بالعربية التقطها، كان ذلك دأبه وما زال، حتى قارب التسعين أو جاوزها، وفي الأسبوع الذي توفي فيه، رؤي يلتقط الأوراق العربية ويجمعها حتى إذا وصل لبيته أحرقها ودفن رمادها في تربة طاهرة.
فياأَيُّهَا الأبناء فعلكم عِصْيَانٌ، و يَاأَيُّهَا الآباء تقصيركم خذلانٌ، ويَاأَيُّهَا المسؤولون ما لكم إذا رأيتهم هذه الظاهرة لا تتحركون.
وأنا وأنتم ممن ليس بيدنا حيلة، بإمكاننا تربية أبنائنا على ذلك، وبإمكاننا تنظيف محيطنا القريب، ولو تعاون البيت والمسجد والمدرسة والإعلام لقللنا من هذه الظواهر.
أما إن استشعر المسؤولون واجبهم وقدموا ما عندهم وما عليهم لكفى الله المؤمنين كل شر.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.