“كوني حرّة، فأنت لم تخلقي لتكوني تابعا أو ظلا”، “حلّقي برقّتك خارج سجون الظّلام والعبودية، وانثري من عطفك وحنانك على تلك الصّحاري التي غطّت أوطاننا”.. هي بعض الشعارات التي تطلقها بعض القنوات والمواقع، تدعو من خلالها المرأة المسلمة العربية، للتمرّد على واقعٍ يراه العلمانيون واقعا يستعبد المرأة ويمنعها حقّها في إثبات وجودها، وكأنّ المرأة لا يمكنها أن تثبت وجودها وتؤدّي دورها الكامل إلا إذا كان جسدها هو بضاعتها الوحيدة!
تعزف هذه القنوات والمواقع في أكثر ما تعرضه على فكرة أنّ التديّن يعني بالضّرورة الرّجعية والتّخلّف، حيث تتعمّد إظهار المتديّنين في صورة أناس محدودي الثّقافة، لا يفقهون في الواقع شيئا، وربّما تظهرهم في صورة أصحاب أخلاق فظّة وعقول متحجّرة، وربّما ترسّخ لفكرة أنّ كلّ متديّن هو بالضّرورة منافق؛ يُظهر في العلن غير ما يخفيه في السرّ.. بينما تظهر المنفلتين من الدّين في صورة أناس متعلّمين، أصحاب مستويات عالية، وأخلاق طيّبة.
كما تحاول هذه القنوات والمواقع التّرسيخ للأفكار العلمانيّة التي تجعل الدّين شأنا شخصيا لا دخل له في اختيارات الإنسان المتعلّقة بلباسه وعمله وعلاقاته بالآخرين، مكانه في القلوب وبين جدران أماكن العبادة، وإن كان من وقت مناسب للالتفات إليه، فهو حينما يبلغ المرء إلى أرذل العمر، وعلى هذا فالصّلاة وحمل السّبحة وتحريك اللّسان بالذّكر وارتداء اللّباس المحتشم، هي سمات خاصّة بالشّيوخ والعجائز الذين ملّوا الحياة!
والأنكى من هذا أنّ هذه القنوات تحاول من خلال برامجها المختلفة كسر الحواجز وقتل الحياء في النّفوس؛ فالمرأة المتزوّجة التي تخون زوجها هي -وفق الرّسالة التي تريد هذه القنوات إيصالها- ضحية إهمال ولا مبالاة زوجها، فعملها بالتالي مبرّر، ولا ينبغي للمجتمع أن يستشنعه! وهكذا الفتاة التي تعصي والديها وتخرج كاسية عارية، تصاحب الشّباب، وتلتقيهم في كلّ الأماكن، هي –في منظور الفكر العلمانيّ الجاهليّ- ضحية لأبوين يبالغان في مراقبتها وفي إلزامها بأحكام الشّرع وآداب الإسلام!
حتى القنوات والمواقع الموجّهة للأطفال، لا تتردّد في بثّ هذه الأفكار التي تبثّها أخواتها الموجّهة للكبار، حيث تتعمّد بثّ رسوم تروّج للأخلاق الغربيّة، من دون أن تكلّف نفسها حذف المقاطع غير الأخلاقية، بل وتتعمّد بثّ برامج كرتونيّة تروّج للعقائد المخالفة لعقيدة الإسلام، كالتبرّك بالصّليب وتعليقه، لترسيخ فكرة أنّها عقائد مقبولة لا ينبغي إنكارها، كيف وهي العقائد التي يتبنّاها الأبطال الذين يحقّقون الانتصارات دوما!
لقد خرّبت هذه القنوات والمواقع كثيرا من بيوت المسلمين، وأدّت على مدار ربع قرن من الزّمان إلى إشاعة ثقافة الانحلال بين كثير من الأسر، وشجّعت على كسر الحواجز في كثير من البيوت، حتى غدا الحديث عن الحبّ والغرام أمرا عاديا بين الأخ وأخته، بل ربّما بين الأب وأبنائه وبناته، وأصبح من المقبول أن يجتمع أفراد الأسرة الواحدة على متابعة المسلسلات التي تبثّها هذه القنوات على ما تحتويه من عري فاضح وعبارات ومشاهد تصل إلى الإباحية.
لقد أثّرت هذه القنوات في أخلاق كثير من بنات المسلمين اللاتي أصبح الحجاب والحياء بالنّسبة إليهنّ شيئا من الماضي، لا يصلح لزماننا الذي تعلّمن من المسلسلات أنّه زمان الحرية التي لا حدود لها.. وغاب عنهنّ أنّ هذه الحرية التي تعلّمنها من هذه القنوات والقنوات المشاكلة لها، هي حرية تنحطّ بهنّ إلى عالم البهيميّة، وتجعل نحت الجسد هو الغاية الأسمى من وجود المرأة في هذه الدّنيا.. الإسلام ما فرض الحجاب ليحُول بين المرأة وبين إثبات وجودها، وإنّما ليلغي دور الجسد من التأثير، فتكون المرأة متحرّرة من تأثيره، لتثبت لمن حولها أنّها روح وعقل وكائن يعمل، وليست جسدا للمتعة الفانية، وتفرض وجودها بفكرها وسعيها وما تقدّمه من خير تنتفع به وتنفع به مجتمعها وأمّتها.
لقد آن للآباء أن يتنبّهوا للسّموم التي تنفثها هذه القنوات والمواقع في بيوتهم، وآن للأئمّة والخطباء أن يكثّفوا جهودهم لبيان الدّور الخطير الذي يؤدّيه هذا الإعلام المنحطّ في تخريب البيوت ووأد الأخلاق وقتل الهمم، وآن للخيّرين في هذه الأمّة أن يكثّفوا من حملات الشّجب والاستنكار الموجّهة ضدّ القائمين على هذا الإعلام ليتّقوا الله في أبناء المسلمين الذين يتّجهون ليس فقط إلى إضاعة دينهم وإنّما أيضا إلى إضاعة دنياهم.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.