يعلم القاصي والدّاني أنَّ الإمامة وظيفة سامية، ويكفيها شرفاً أنّها من وظائف النبوّة، ورسالتُها سامقة تستهدف بناء الفرد وحماية الأسرة وإصلاح المجتمع، وتعمل على حماية الأمّة ومقوماتها، والدّفاع عن الثّوابت والمقدّسات. وكان لأئمّة الجزائر جهود مشكورة في هذا المضمار، خاصّة المحطّات الكبرى والظروف العصيبة التي عاشتها بلادنا، كعشرية الدّم والقتل، وما تلاها من وئام ومصالحة، وفترة انتشار وباء كورونا، والتي لا تزال شاهدة على ما كابدوه وقدّموه.
وفي رمضان هذا العام – وككل رمضان – أبلى الأئمّة بلاءً حسناً من خلال إمامة النّاس في صلاة التّراويح، وإلقاء الدّروس وتقديم المحاضرات داخل المساجد وخارجها، وتوزيع قفة رمضان على الفقراء والمحتاجين، وختان أطفال الأسر المعوزة، وجمع زكاة الفطر وإعطائها لمستحقيها، والإسهام في إنجاح مطاعم عابر السّبيل، وتنظيم المسابقات القرآنيّة، وإقامة الحفلات وتوزيع الجوائز على الحافظين والحافظات للقرآن العظيم، وغيرها من النّشاطات، وخُتمت بأداء صلاة العيد والجمعة، وما تحتجان من جهد في تحضير وإلقاء خطبتيهما.
فخرج الإمام مُنهك القوى، يحتسب ما قدّمه وبذله لله عزّ وجل، لا ينتظر من الناس جزاءً ولا شكوراً. رغم ما يعانيه من هضم حقوق، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ فشهادة حفظ القرآن الكريم -وما أدراك ما هي- تُقدّر بنقطة واحدة فقط في سُلّم التّصنيفات!! ولا يحصل إلّا على الفُتات ضمن ما يُسمّى بالنّظام التّعويضي، حيث المنح المقدّمة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا ترقى للمنح والعلاوات في القطاعات الأخرى رغم ممارسة الإمام للمهام نفسها وزيادة.
كلُّ هذا الحيْف لم يمنعه من مواصلة رسالته وبذل الوسع لخدمة دينه ووطنه، مقاوماً ضغوطات المعيشة الصّعبة، لكن الداهية الدهياء بعد كلّ هذا العطاء والصّبر والتّحمّل، يزداد الحِمْل ونفاجأ باعتداءات تطال أئمّة المساجد في محاريبهم، اعتداءات تجاوزت السّب والشّتم إلى محاولات القتل بالسّكاكين مع سبق الإصرار والترصّد.
وإذ نأسف لهذه التّصرّفات، ونستنكرها بأشدِّ عبارات الاستنكار، فإنّنا نتعجب في الوقت نفسه من الصّمت على هذه الاعتداءات، وإن وجدت أصوات فهي خافتة، ولا ترقى لعظم وفظاعة الجرم وخطورته على مستقبل الإمام والمسجد بالجزائر، لقد رأينا تفاعلا كبيراً مع الأستاذة التي تعرّضت للطعن بالسّكين من قبل أحد تلاميذها، وقد كانت جريمة فضيعة بكلّ المقاييس، ولكن هي الجريمة نفسها تتكرّر أكثر من مرّة على الأئمّة.
سبق هذا سكوت مطبق عندما تجرّأ حاملو النجاسة الفكرية على الطعن في الأئمة وإمامتهم وفتاويهم، بل حتى في تحفيظهم لكلام رب العالمين، بعدما فشلوا في إقناع المجتمع، وحمله على نجاستهم وكل ما من شأنه أن يفرّق ولا يجمع، فسلكوا طريقا جديدا هو طريق الطعن والتجريح، محاولين تأليب العوام على أئمتهم، للتشويش على مكانتهم وقدرهم، وتقليلا لاحترامهم وتحريضا على الانتقاص منهم بالسب والشتم والاستهزاء والتهكّم، ليسهل بعد ذلك التجرّؤ عليهم بالضرب وسفك دمائهم بكل برودة دم وهدوء أعصاب.
وتلاه سكوت آخر عندما نزل النقاش في المسائل الشرعية إلى فقهاء المقاهي من المؤثّرين والناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي من الجهلة في الدين، الذين راحوا يخوضون في مسائل زكاة الفطر تحليلا وترجيحا في جرأة خسيسة لا مثيل لها في كثير من الدول.
مهما يكن فإنّ إرادة الله ماضية غلّابة، ولحوم الأئمة والعلماء مسمومة، وسنّة اللٌه في منتقصهم معلومة.
وإذا هان الإمام على بعض الجهات إلى هذه الدرجة، فإنه لن يهون على أحرار و حرائر الجزائر الذين لن يفرّطوا بإذن الله تعالى في حق من يتقدّمهم في الصف في أعظم ركن من أركان دينهم، ومن يُربي أولادهم على القرآن الكريم، ويحلّيهم بالأخلاق الحميدة، ومن يُصلح بين متخاصميهم، ويعقد قِران أبنائهم وبناتهم، ويُصلي على ميّتهم، فهو معهم في سرائهم وضرّائهم.
لهذا ندعوهم ليواصلوا دعمهم للإمام وخدمتهم لرسالته، وإعانته على جهوده الطيّبة، ونقول لهم: لا تلتفتوا إلى مخابر شياطين الإنس التي تريد تكسير القدوات من خلال تسليط السّفهاء على الشّرفاء، بتحريشهم وتحريكهم كقطع الشطرنج في الوقت الذي يخدم مخططاتهم الدّنيئة، أولئك الذين لا يعلمون أنه لا يحيق المكر السيّء إلا بأهله، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)[فاطر: 43]، وأنّه مهما مكروا فإنّ الله خير الماكرين كما قال سبحانه: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30]، وليعلم الذين ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله أنّ الله تعال يقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) [الأنفال: 36]. وأنّهم إذا أصرّوا على هذا الضلال فإنّهم إلى جهنّم يحشرون.
ولا بدّ بعد ذلك من دراسة حالات الاعتداء وتحديد أسبابها بدقة، ومعالجتها بالصرامة الكاملة، وإحالة المعتدين على القضاء لينالوا جزاء جريمتهم وعدوانهم على حملة كتاب الله عز وجل، والقائمين مقام النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأمة وإصلاح أحوالها، والنهوض بها لاستعادة مجدها وسيادتها.
نتمنى أن لا تمر هذه الاعتداءات مرور الكرام، ولابد من كلمة واحدة وصوت واحد: “لا للاعتداء على الأئمّة رموز الأمة ومشعل الهداية والإصلاح”. نسأل الله تعالى أن يحفظ الأئمّة، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.