من علمائنا المتميزين بعلمهم ومواقفهم في النصف الأخير من القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين الشيخ عبد الحليم ابن سماية (1866-1933).. وصوته من أول الأصوات التي ارتفعت في الجزائر منتقدة الطرقية المنحرفة في رسالته المسماة “الكنز المدفون والسرّ المكنون”، كما يعتبر من أوائل العلماء الدين تناولوا مسألة الربا، ورد على من يقول بإباحة قليله، وله رسالة في هذا الموضوع طبعت في سنة 1911، عنوانها “اهتزاز الأطواد والرّبى من مسألة تحليل الربا”..
كان “إصلاحي” الاتجاه، ويعد من أنصار فكر الإمام محمد عبده، وقد لازمه طيلة وجوده في الجزائر في سنة 1903، وقد كان الإمام محمد عبده معجبا بشخصية الشيخ ابن سماية، وبفكره.. وقد يكون الشيخ ابن سماية هو أول من درّس كتاب الإمام محمد عبده “رسالة التوحيد”.
لقد قرأت ما كتب عن هذا العالم الجليل في جريدة الخبر ليوم (5 أفريل 2023 ص15)، ومما جاء في هذا المقال أن الشيخ “تعرّض لمضايقات واضطهاد سلطات الاستعمار، وأصيب جراء ذلك بمرض عقلي لازمه حتى وفاته”.
لقد سألت الشيخ عبد الرحمن الجيلالي عن هذا “المرض العقلي”، فأجابني أن الشيخ كان يفتعل ذلك حتى يمطر الاستعمار الفرنسي بوابل اللعائن والشتائم من غير أن يطاله القانون.. والذي دفعه إلى ذلك هو فشل ثورة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي في عشرينيات القرن الماضي.. وكان الشيخ ابن سماية يعلق على هذه الثورة آمالا فساحا في أن تعم هذه الثورة منطقة المغرب العربي، خاصة ما كان رائجا من أن محمد بن عبد الكريم الخطابي كان على تواصل مع الأمير خالد في الجزائر، والشيخ عبد العزيز الثعالبي في تونس، وهو من أصل جزائري.. فلما فشلت الثورة بالقبض على الخطابي افتعل الشيخ هذا “المرض العقلي”.
إنني أميل إلى هذا الرأي وأرجعه استنادا إلى ما حدّثني عنه جد أولادي لأمهم الشيخ العربي بوزكري الذي تلقى دروسا عن الشيخ ابن سماية في أخريات حياته في زاوية محي الدين في العيون الزرق بمدينة الجزائر..
قال لي الشيخ العربي: كان الشيخ ابن سماية يأتي إلى الزاوية ممتطيا حصانه فيترجل، ثم يبدأ في إلقاء مختلف الدروس من غير كتاب أو أوراق، ويناقش مختلف القضايا مما يدل على أنه في كامل قواه العقلية.
وأنبه إلى نقطة هامة لم يشر إليها صاحب المقال المشار إليه، وهي أن فرنسا المجرمة عزمت إصدار قانون التجنيد الإلزامي على الجزائريين فتصدى الشيخ ابن سماية لذلك، وأصدر فتواه في سنة 1911 بـ”تحريم تجنيد الجزائريين” في الجيش الفرنسي المجرم. وعندما توفاه الله نعته مجلة الشهاب بقولها: “عالم عامل، غيور على دينه، مخلص لهما… معظما محترما عند زملائه وعند رؤسائه” (الشهاب فبراير 1933 ص 117). رحم الله الشيخ ابن سماية واقترح اطلاق اسمه على مؤسسة دينية أو تعليمية..
عن الشيخ عبد الحليم ابن سماية
محمد الهادي الحسني
2023/04/23
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.