أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
ضاقت بلاد الحرمين الشريفين، -على سعتها وعراقتها وقدسيتها- وهي التي احتضنت، معاهدات تاريخية جليلة، من حلف الفضول في الجاهلية، إلى اتفاق الطائف بين الفلسطينيين، مرورا، بصلح الحديبية أو وثيقة المدينة، ضاقت مكة والمدينة، إذن، على احتضان اتفاق المصالحة بين البلدين المسلمين الشقيقين، المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كما أوصدت –في وجه الصلح مع إيران، أبواب بلاد الإسلام والعربان، من القاهرة إلى عمان ومن أبي ظبي إلى وهران، فكان لا بد أن تكون الصين الشيوعية، وعلى أقصى البلدان، الحضن الحاضن، للتصالح مع شيعة إيران، بقيادة المملكة العربية السعودية السنية، في يوم الجمعة 10 مارس 2023، الموافق لـ 17 من شهر شعبان (1444هـ).
وعلى كلّ حال، فالعبرة بالخاتمة، والنتيجة، ذلك أنه بعد حوار وتفاوض، في ظل السرية والكتمان، وفي غفلة من أعين الأمريكان وطمس أعين الصهيوني الشيطان، أمكن الخروج على الناس بنص البيان، القاضي بالتصالح بين البلدين الشقيقين المسلمين، دون لف أو دوران.
انتصار عظيم تحقق على أرض الصين، ليكون بداية ميلاد الأمل، في تحول كبير. ستشهده المنطقة العربية الإسلامية، بوضع حد للحروب المختلفة العناوين في كلّ من اليمن، والعراق وسوريا، والبحرين وليبيا، والسودان.
كما يعني الاتفاق المبرم بين السعودية وإيران، القضاء على «البعبع» الذي ظلت تصوره أمريكيا والصهيونية لعرب الخليج فتخوف به أتباعهم، وعبيدهم.
كان الحلف الأمريكي الصهيوني يخوف أتباعه فيعدهم ويمنيهم، أحيانا باسم الايدولوجيا، وتارة أخرى باسم التكنولوجيا، فأحدث لهم بدائل، أبرزها التطبيع تحت مسميات مختلفة، وآخر «تقليعاتها ما سمي ظلما باسم البيت الإبراهيمي، أو الديانة الإبراهيمية هذه التقليعة الاستعمارية أو البدعة الدينية السياسية الجديدة».
تنفس الجميع من الخيرين الصعداء، لأن الاتفاق جاء بعد تسع سنوات عجاف، تميزت بالاحتقان، والافتتان، جلبت الكثير من الدماء والدموع والاضطراب داخل مختلف الربوع، إضافة إلى هدر الأموال من شتى الريوع.
هكذا، يدخل العالم العربي الإسلامي مرحلة جديدة، ابرز ما فيها تغيير معادلة العلاقات الدولية التي ستشهد – بعد اليوم- إعادة ترتيب الأولويات وتصحيح مفاهيم أسس المعاملات. كما ستمثل بداية تعزيز معسكر الاعتدال، بقيادة الصين، وروسيا، والهند وإيران، والجزائر ولم لا السعودية ؟
إن معسكر «بريكست» الذي سيأخذ بيد المستضعفين، لإحداث النمو الاقتصادي، وتعزيز التقدم التكنولوجي، وتكريس استقلال الإرادة السياسية، عن العصبية المعهودة هو ما يجسد ميلاد النظام العالمي الجديد، الذي طالما نادى به أحرار العالم، منذ هواري بومدين، إلى اليوم.
فهل يمكن القول بأن اتفاق بكين المبرم بين المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية، سيمثل بداية تعاون العقل الإيراني، والمال السعودي، بقيادة التكنولوجيا الصينية، والصناعة الروسية، مما سيعيد للعالم وجهه الجديد، يعيدا عن الغلو، والعتو، ويمكن للقوى الفتية الإنسانية من الظهور، دون تهديد بالاحتلال أو إنذار بإحداث الاختلال؟
وهل سيتاح للمملكة العربية السعودية، بعد هذا الاتفاق الواعد، من أن تطل على العالم بوجه جديد، تجسد فيه تمازج القوة المادية والروحية، وإظهار الوجه الجديد باسم الإسلام المتسامح، والتعايش، وبسط اليد نحو أهل الحل والعقد، من العلماء والصلحاء.
وهل ستشهد إيران، بعد زوال عقدة العزلة، من إظهار الوجه النقي للتسامح مع المخالفين في المذهب، وذلك بإلجام المتشددين العوام، عن سب صحابة خير الأنام، وعدم السعي لتغيير السنة عن مذهبهم ومحاولة جلبهم إلى معسكر التشيع، فالإسلام يتسع للجميع.
نعتقد أن أهم ما يمكن استخلاصه من المصالحة بين السنة والشيعة، هو اكتساب الجميع للقوى فيتحولوا إلى بناة دولة شعارها: أعد –واستعد في امتثال لأوامر الله :
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ [سورة الأنفال، الآية 60]. ولا نعني بالقوة هنا أن تكون معتدية وغازية، ولكنها القوة التي تصون ولا تبدد، وتحمي ولا تهدد، وتوحد ولا تعدد ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 92].
فالتكاملية بين القوى الإسلامية، بشقيها السني والشيعي، هو العنوان الأبرز للإسلام الذي يدعو إلى بناء المجتمع الإسلامي الفاضل الخالي من التعصب للمذهبية، والطائفية، والعرقية، والعنصرية…
نريد – بكل صدق- أن لا يخيّب الاتفاق السعودي الإيراني، آمال المسلمين، في ميلاد نظام إسلامي صادق في المجتمعين، لا يضيق بالخلاف أو الاختلاف، وإنما نظام يحسن الإصغاء لمن يخالف، ومحاولة تصحيح من يخطئ بالحكمة، والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
وبكلمة واضحة نتوق إلى ميلاد إستراتيجية جديدة، هي إستراتيجية الشعوب، بتحقيق طموحاتها السياسية، وترشيد نفقاتها الاقتصادية، على حساب ما كان سائدا من هيمنة وغطرسة أمريكية صهيونية.
إنه، أي هذا الاتفاق الجديد، نداء للشعوب التي لا تزال تعاني الخنوع والخضوع، كي ترفع رايتها، فتنظم إلى حلف السلام الأخضر تحت قبة الإسلام الأظهر، الواعد بالتقدم والتحرر، والعودة إلى الذات الحضارية التي تعد ببناء الغد الأفضل والأطهر.
ولله در أحمد مطر في قوله:
في زمان الجاهلية
كانت الأصنام من تمر،
وإن جاع العباد
فلهم من جثة المعبود زاد؛
وبعصر المدنية
صارت الأصنام تأتينا من الغرب ولكن بثياب عربي
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.