ماذا يريد الرئيس تبون؟ عبد الحميد عثماني 2023/03/19--للشروق****
قبل التعديل الحكومي الأخير، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون غضبه الشديد من أداء قطاعات وزاريّة وضعف فعاليّة دوائر أخرى، وهو ما تجلّى في برقيّات متوالية لوكالة الأنباء الرسمية ولقائه مؤخرا بالفلاحين في الجلسات الوطنية.
وخلال تلك المحطات وضع رئيس الجمهورية النقاط على الحروف، برفضه المطلق للأرقام المغلوطة والآجال الطويلة في انجاز مشاريع إستراتيجية، مع تشبُّثه الصارم بتعميم الرقمنة وتسريعها في كل دواليب الدولة، لفرض الشفافية والرقابة على الجميع.
كما تبرّأ الرئيس تبون من المساس بحاجات المواطنين الأساسية فيما يتعلّق بضبط الاستيراد، مؤكدا أن التوجيهات كانت بهدف الحفاظ على احتياطي الصرف وقطع الطريق على لوبيات التجارة الخارجية وتشجيع الإنتاج الوطني، بينما تبقى رفاهية الجزائريين خطا أحمر ضمن التزاماته الانتخابية.
وفي هذا الإطار يمكن قراءة مستهدفات التعديل الوزاري المعلن نهاية الأسبوع، إذ يطمح الرئيس إلى وزارات فاعلة تواكب إرادته القويّة في التغيير والإصلاح وتلبية تطلعات المواطنين الاجتماعية والاقتصادية، لتتماشى مع السرعة التنفيذية التي فرضها في أداء مؤسسات الدولة منذ 3 سنوات، إذ لا ينكر أحدٌ أنه أعطاها نفسًا قويًّا تجلّى في حالة من التعبئة الحكومية والدبلوماسية والأمنية والقضائية والتشريعية، ناهيك عن زخم النشاط الرئاسي العامّ في كافة الاتجاهات.
وإذا تجاوزنا الأشهر الأولى من عام 2020 والتي تزامنت مع بداية الجائحة الكونية لفيروس كورونا، فإنّ رئيس الجمهورية تمكّن فعلا من فرْض روح وطنية ثوريّة في إدارة الشأن العام وأجهزة الدولة، حتّى لو اختلفت تقييمات القطاعات الوزارية بشهادة الرئيس نفسه في أكثر من مناسبة، لكنه كان يتدخَّل في الوقت المحدد بقرارات فوريّة دون تساهل، في حال الأخطاء أو الإخلال بواجبات المسؤولية، فضلا عن التقصير أو العجز عن أداء الأمانة على الوجه المطلوب.
ومن تعديل إلى آخر، وعبر تعيينات كثيرة سابقة في رئاسة الجمهورية وعلى مستوى هيئات وطنية ومؤسسات عمومية ودستوريّة، أثبت الرئيس تبون أنه منفتحٌ على الجميع بدون حسابات سياسية ولا جهوية ضيقة، لأنه يؤمن بتحرير المبادرة ومنْح الفرصة لمن يتوسّم فيهم الأهليّة، مكرّسًا بذلك تقاليد جديدة في ثقافة تسيير الدولة، قِوامُها النزاهة والكفاءة معيارًا فاصلا للتكليف العمومي، في مواجهة الزبائنيّة السلطويّة التي رفعت في وقت سابق المتملّقين واللصوص على رقاب العباد.
وبعمليّة مسحيّة على الإطارات الشابّة التي تمت ترقيتها ومنحها الثقة في عهد الرئيس تبون عبر مختلف الإدارات والهيئات والوزارات، يمكن التأكد دون عناء أنّ المقياس لديه كان دومًا السمعة والسيرة وتوقّع القدرة على أداء المأموريّة، وكثير من الوجوه الجديدة في الفريق الحكومي الأخير خير دليل على ذلك.
ستعلو بلا شكّ أصواتٌ معترضة على تسمية فلان وعلاّن في منصب ما، من دون إدراك لسياقات التعيين ولا خلفياته ومراميه، لأنّ استيعاب منطق الدولة ليس متاحا للجميع، وفي كل الأحوال تبقى العبرة بعموم القرارات التي تُؤكد حتى الآن أنّ إرادة الرئيس تبون بارزة في تجنيد كل الطاقات الجزائرية مهما تعدَّدت مواقعهم ومشاربهم طالما كان مقتنعًا بأحقيتهم في خدمة وطنهم.
أكثر من ذلك، فإن رئيس الجمهوريّة تبنّى مقترحات كثيرة وردت إليه من أطراف متعددة، وجسّدها في مشاريع ومؤسسات وأجهزة رسمية، حرصًا منه على تطبيق التزاماته الشعبية فوق الميدان، وهو ما ينسجم مع شهادة سياسيين بانفتاح الرئيس تبون على وجهات النظر وقبوله بالأفكار المختلفة، لأنّ الهدف الأول بالنسبة إليه هو مشاركة جميع الجزائريين في معركة البناء الجديد.
ندرك تماما أنّ مثل هذا الكلام سيكون عُرضة للتأويل من المتسرّعين في إطلاق الأحكام المسبقة وتوزيع صكوك النيّات، لكن الله يعلم أنّنا ما شهدنا إلا بما علمنا، لا طمعًا ولا رهبًا، والتاريخ سيقول كلمته بإنصاف في حق الرجال والمراحل يوم تنجلي سحبُ الخلافات السياسيّة والحواجز النفسية.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.