وصيّة شهيد
شهداؤنا كثر ويصعب إحصاؤهم، لأنه لم يمر يوم لم ترتكب فيه فرنسا جريمة قتل ضد الجزائريين بطريقة من الطرق، ففرنسا ليست مجرمة فقط، وإنما هي “أم الجرائم”، وكثير من هذه الجرائم هي “اختصاص فرنسي”، و”علامة مسجلة” باسمها.
وكما ابتلينا بفرنسا، فقد سلّطنا الله – عز وجل- عليها، حتى جعلناها سابعة ولاياتنا، بفضل تنظيمنا الجهادي في فرنسا، وبفضل أولئك الرجال الأحرار والنساء الحرائر من أبناء وبنات الجزائر الذين حوّلوا شوارع باريس ميادين جهاد ضد الخونة والمجرمين الفرنسيين، فرحم الله من اتخذه منهم شهيدا، ومتع بالصحة من نسأله في أجله، وأكرمه بالرضا عنه يوم يقوم الأشهاد.
صاحب هذه الوصية هو المجاهد الشهيد أحمد زبانة، الذي كان أول من أعدمته فرنسا المجرمة بالمقصلة الموجودة الآن بمتحف الجيش الوطني الشعبي، وقد ضرب أحمد زبانة أروع الأمثلة في الصبر، بل أقبل على المقصلة بنفس راضية مطمئنة، لأن “موته” سيكون ثأرا لدينه الذي دنسته فرنسا الصليبية، وانتقاما لوطنه الذي اغتصبته، ولشعبه الذي استعبدته فـ: “أنا راض إن عاش شعبي سعيدا”، و”الجزائر تحيا حرة، مستقلة، لن تبيدا”. وقد أدهش هذا المجاهد الشهيد أولئك الطغاة الفرنسيين وهو يعتلي المقصلة مكبّرا ربه، رافعا رأسه، شامخا أنفه.. كما وصفه شاهد عيان هو المجاهد مفدي زكرياء في قصيدة بديعة منها:
قام يختال كالمسيح وئيدا يتهادى، نشوان، يتلو النشيدا
باسم الثغر، كالملائك أو كالط فل، يستقبل الصباح الجديدا
شامخا أنفه، جلالا وتيها رافعا رأسه يناجي الخلودا
وأما وصيّة هذا المجاهد الشهيد لزملائه في سجن “سركاجي” بمدينة الجزائر المجاهدة، ومن خلالهم إلى الشعب الجزائري فقد أوردها من كان معه في ذلك السجن وهو المجاهد علي زعموم، الذي سجلها في مذكراته التي سماها “ثمورت إيمازيغن”، وهذه الوصية وجّهها لإخوانه المسجونين معه، وهي: “ادرسوا”، فإن العلم هي الحياة في منتهى النبل، وإن الجهل هو الموت الأعظم”. (انظر: مولود عويمر: آراء وأبحاث في الصحة والثقافة لسعيد شيبان ص 233).
وبعد هذه الوصية الذهبية أهدى هذا الشهيد الرمز مصحفه ودفتره، وحرّر رسالة إلى أمه ثم صلّى.. ثم تخطفته أيدي الفرنسيين المجرمين لتقوده إلى المقصلة، ثم تلتحق ورقاؤه بعالمها الأسمى.. لينضم إلى ملايين الشهداء ممن سبقوه ولحقوا به ليستعيد دينه عزته، وشعبه كرامته، ووطنه حريته وسيادته..
رحم الله المجاهد الشهيد أحمد زبانة وجميع شهدائنا الأبرار، وخزيا وذلا لمن اتخذ فرنسا المجرمة وليا، وخان دينه، ووطنه، وشعبه.. وليعلم هؤلاء الخونة قديما وحديثا قول الله – عز وجل-: “ها أنتم هؤلاء تحبونهم ولا يحبونكم”، وهم “يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم”.