معركة الكرامة الخالدة / مقترب غور الصافي
معركة الكرامة الخالدة.
يحتفل الأردن كل عام بهذه المناسبة الخالدة مناسبة معركة الكرامة التي سطر خلالها نشامى الجيش العربي أروع البطولات وأجمل الانتصارات على ثرى الأردن الطهور وفي ذكراها الأربعين يحلو الفرح وتسمو معاني النصر ومهما كان احتفالنا بهذه المناسبة الخالدة فإننا لن نفيها حقها لأنها أكبر من كل الكلمات والاحتفالات ، حيث تحوم أرواح الشهداء في فضاءات الأردن ، فوق سهوله وهضابه وغوره وجباله ، وتسلم على المرابطين فوق ثراه الطهور ويتفتح دحنون غور الكرامة على نجيع دمهم الزكي ، وتسري في العروق رعشة الفرح بالنصر ونشوة الافتخار بهذا الجيش العربي الهاشمي وتطمئن القلوب بذكر الله وهي تقرأ قول الحق على روح قائد الكرامة الحسين " رحمه الله " وشهداء الكرامة واللطرون وباب الواد والقدس والجولان حيث يختلط دم الخَلف بدماء السلف في يرموك العز ، وحطين ومؤتة وفحل والكرامة ، فيسمو الوطن بقدسية أرضه وحرية إنسانه وكرامة أمته وأصالة رسالته التي توارثها قادة هذا الوطن من آل هاشم ، حتى آل نصر الكرامة إلى بناء وإعمار وعطاء ، وتعاون وتكافل بين أبناء الأسرة الأردنية الواحدة التي تحتفل كل عام في مثل هذا اليوم بما أنجزت وحققت وبما جادت به النفوس في سبيل أن يبقى بيرق هذا الحمى العربي الأصيل يخفق بين أرواح الشهداء عالياً كما هي هامات أهله وربعه وعشيرته وجيشه ، لا تنحني إلا لله الواحد الأحد . وفي هذه الذكرى الغالية نرفع الأكف تضرعاً لله العليّ القدير أن يتغمد الحسين بواسع رحمته وان يمنح جلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين العزم والقوة ليمضي بالأردن قدماً نحو معارج الرقي والتقدم .
الكرامة ملحمة خالدة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي
تؤلف منطقة غور الأردن سجلاً حافلاً يصور البطولات والمعارك وتمثل ارض الرباط في سبيل الله، وهي من الأهمية الإستراتيجية والجغرافية بمكان مما جعلها محط أنظار الأعداء الطامعين مما حدا بهم إلى التخطيط المستمر والسعي المتواصل وإلى ترجمة أطماعهم والسعي لتنفيذ مخططاتهم وإحاطة أنفسهم بهالة بأنهم يمتلكون القوة ويستطيعون فعل ما يشاءون. ولقد كان صمود الجيش العربي الهاشمي في معركة الكرامة بمثابة نقلة نوعية في تنامي الروح المعنوية العالية، والقدرة القتالية النادرة التي يتمتع بها الجندي الأردني، وهذا الصمود والنصر كانا منعطفاً هاماً في حياة الأمة العربية تحطمت خلاله أسطورة التفوق الإسرائيلي وأبرزت للعالم أن في هذا الوطن جيشاً يأبى الضيم ويدحر العدوان، ويذود عن حماه بالمهج والأرواح ويدافع عنه بكل ما أوتى من قوة. ومهما كان احتفالنا بهذه الذكرى الخالدة فإننا لا نستطيع أن نفيها حقها لأنها أكبر من كل الكلمات وأكبر من كل الاحتفالات فهي معركة أعادت إلى الأمة احترام الذات بعد نكسة حزيران وان النصر الذي حققه جيشنا الباسل البطل في هذه المعركة جاء في وقت كنا فيه بأمس الحاجة إلى ملامح نصر وعزة وكرامة وإلى وقفة كلها شرف وإباء وكانت معركة الكرامة التي هي أول نصر مبين يحققه جيشنا المصطفوي للعرب عبر صراعنا الطويل مع إسرائيل وقوتها العسكرية المتغطرسة أثبت خلالها الجيش العربي أن النصر العسكري العربي على إسرائيل ليس مستحيلاً وإنما هو مؤكد كما حدث في معركة الكرامة. إذن معركة الكرامة هي بوابة المعارك ومؤشر الانتصارات التي أدخلت الأمة بكاملها دائرة الفعل وأخرجتها من آلامها وجراحها التي سببتها نكسة حزيران وما خلفته من آثار سلبية على النفس العربية. واحتفالنا بمعركة الكرامة العربية في الأردن هنا أمر طبيعي لأنها جزء من تاريخنا العسكري الذي نفخر ونعتز به حيث أنها لم تكن مجرد معركة استبسل فيها الجيش العربي وخاضها ودحر العدو وغطرسته فحسب ، بل كونها جاءت لتعطي المعتدي درساً واضحاً بأن حروبه معنا ليست نزهة وأنها لم تهزم عدواً طامعاً حاقداً فحسب بل ضمدت جرحاً عربياً مكلوماً بسواعد أبناء الأردن البررة وقوتهم النافذة يوم تثبتوا بأرضهم المباركة الطاهرة التي هي موطن الآباء والأجداد يتمنون إحدى الحسنين وهم يعلمون تماماً أهمية الموقف الأردني المشرق الذي ترسمه البطولة والتضحية والرجولة .
مقتربات القتال:
حشد العدو لمعركة الكرامة أفضل قواته تدريباً وخبرة قتالية فقد استخدم اللواء المدرع السابع وهو الذي سبق وأن نفذ عملية الإغارة على قرية السموع عام 1966 واللواء المدرع 60، ولواء المظليين 35، ولواء المشاة 80، وعشرين طائرة هيلوكبتر لنقل المظليين وخمس كتائب مدفعية 155 ملم و 105 ملم ، بالإضافة إلى قواته التي كانت في تماس مع قواتنا على امتداد خط وقف إطلاق النار ، وسلاحه الجوي الذي كان يسيطر سيطرة تامة على سماء وأرض المعركة ، بالإضافة إلى قوة الهجوم التي استخدمها في غور الصافي، وهي كتيبة دبابات وكتيبة مشاة آلية وسريتا مظليين وكتيبة مدفعية، حشد العدو هذه القوات في منطقة أريحا، ودفع بقوات رأس الجسر إلى مناطق قريبة من مواقع العبور الرئيسة الثلاثة، حيث كان تقربه ليلاً. بدأ العدو قصفه المركز على مواقع الإنذار والحماية ثم قام بهجومه الكبير على الجسور الثلاثة عبر مقتربات القتال الرئيسة في وقت واحد حيث كان يسلك الطريق التي تمر فوق هذه الجسور وتؤدي إلى الضفة الشرقية وهي طريق جسر داميا ( الأمير محمد) وتؤدي إلى المثلث المصري، ثم يتفرع منها مثلث العارضة- السلط-عمان وطريق أريحا ثم جسر الملك حسين الشونة الجنوبية وادي شعيب السلط عمان ثم جسر الأمير عبد الله ( سويمه، ناعور) عمان. وفي فجر يوم 21 آذار 1968 زمجرت المدافع وانطلقت الأصوات على الأثير عبر الأجهزة اللاسلكية تعلن بدء الهجوم الصهيوني عبر النهر على الجيش الأردني الصامد المرابط.
القتال على مقترب جسر الأمير محمد (داميا):
اندفعت القوات العاملة على هذا الجسر تحت ستار كثيف من نيران المدفعية والدبابات والرشاشات المتوسطة فتصدت لها قوات الحجاب الموجودة شرق الجسر مباشرة ودارت معركة عنيفة تمكنت قواتنا خلالها من تدمير عدد من دبابات العدو وإيقاع الخسائر بين صفوفه وإجباره على التوقف والانتشار. عندها حاول العدو إقامة جسرين إضافيين ، ‘لا أنه فشل بسبب كثافة القصف المدفعي على مواقع العبور، ثم كرر اندفاعه ثانية وتحت ستر نيران الجو والمدفعية إلا أنه فشل ايضاً وعند الظهيرة صدرت إليه الأوامر بالانسحاب والتراجع غرب النهر تاركاً العديد من الخسائر بالأرواح والمعدات.
القتال على مقترب جسر الملك حسين:
لقد كان هجوم العدو الرئيسي هنا موجهاً نحو الشونة الجنوبية وكانت قواته الرئيسة المخصصة للهجوم مركزة على هذا المحور الذي يمكن التحول منه إلى بلدة الكرامة والرامة والكفرين جنوباً ، واستخدم العدو في هذه المعركة لواءين(لواء دروع ولواء آلي) مسندين تساندهما المدفعية والطائرات. ففي صباح يوم الخميس 21 آذار دفع العدو بفئة دبابات لعبور الجسر، واشتبكت مع قوات الحجاب القريبة من الجسر ، إلا أن قانصي الدروع تمكنوا من تدمير تلك الفئة، بعدها قام العدو بقصف شديد ومركز على المواقع ودفع بكتيبة دبابات وسرية محمولة ، وتعرضت تلك القوة إلى قصف مدفعي مستمر ساهم في الحد من اندفاعه، إلا أن العدو دفع بمجموعات أخرى من دروعه ومشاته ، وبعد قتال مرير استطاعت هذه القوة التغلب على قوات الحجاب ومن ثم تجاوزتها ، ووصلت إلى مشارف بلدة الكرامة من الجهة الجنوبية والغربية مدمرة جميع الأبنية في أماكن تقدمها. واستطاع العدو إنزال الموجة الأولى من المظليين شرقي الكرامة لكن هذه الموجة تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح وتم إفشالها، مما دفع العدو إلى إنزال موجه أخرى تمكنت هذه الأخيرة من الوصول إلى بلدة الكرامة وبدأت بعمليات تدمير لبنايات البلدة، واشتبكت مع بعض قواتنا المتواجدة هناك في قتال داخل المباني، وفي هذه الأثناء استمر العدو بمحاولاته في الهجوم على بلدة الشونة الجنوبية ، وكانت قواتنا تتصدى له في كل مرة ، وتوقع به المزيد من الخسائر، وعندما اشتدت ضراوة المعركة طلب العدو ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف إطلاق النار ، ولكن جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه أمر باستمرار القتال حتى خروج آخر جندي إسرائيلي من ساحة المعركة، وحاول العدو الانسحاب... إلا أن قواتنا تدخلت في عملية الانسحاب وحولته إلى انسحاب غير منظم فترك العدو عدداً من آلياته وقتلاه في أرض المعركة.
القتال على مقترب جسر الأمير عبد الله:
حاول العدو القيام بعملية عبور من هذا المقترب باتجاه ناعور عمان وحشد لهذا الواجب قوات مدرعة إلا أنه فشل ومنذ البداية على هذا المحور ولم تتمكن قواته من عبور النهر بعد أن دمرت معظم معدات التجسير التي حاول العدو استخدامها في عملية العبور. وفي محاولة يائسة من العدو لمعالجة الموقف قام بفصل مجموعة قتال من قواته العاملة على مقترب وادي شعيب ودفعها إلى مثلث الرامة خلف قوة الحجاب العاملة شرق الجسر لتحاصرها، إلا أنها وقعت في الحصار وتعرضت إلى قصف شديد أدى إلى تدمير عدد كبير من آلياتها. وانتهى القتال على هذا المقترب بانسحاب فوضوي لقوات العدو وكان للمدفعية الأردنية ونيران الدبابات وأسلحة مقاومة الدروع الأثر الأكبر في إيقاف تقدم العدو وبالتالي دحره خائباً خاسراً.
مقترب غور الصافي :1
لقد حاول العدو جاهداً تشتيت جهد القوات الأردنية ما أمكن ، وإرهاب سكان المنطقة وتدمير منشآتها ، مما حدا به إلى الهجوم على مقترب غور الصافي برتل من دباباته ومشاته الآلية ، ممهداً بذلك بحملة إعلامية نفسية مستخدماً المناشير التي كان يلقيها على السكان يدعوهم فيها إلى الاستسلام وعدم المقاومة ، كما قام بعمليات قصف جوي مكثف على قواتنا ، إلا أن كل ذلك قوبل بدفاع عنيف ، وبالتالي أجبر على الانسحاب. وهكذا فقد فشل العدو تماماً في هذه المعركة دون أن يحقق أياً من أهدافه على جميع المقتربات، وخرج من هذه المعركة خاسراً مادياً ومعنوياً خسارة لم يكن يتوقعها أبداً. لقد صدرت الأوامر الإسرائيلية بالانسحاب حوالي الساعة 1500 بعد أن رفض جلالة المغفور له الملك الحسين القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك وقف إطلاق النار، والذي كان يشرف بنفسه على المعركة ويقودها ويبعث روح الحماس بين جنوده وقواته وكان بتصميمه وإرادته القوية مثلاً رائعاً تعلم منه الجميع كيف تكون الإرادة الحرة القوية فوق كل اعتبار. لقد استغرقت عملية الانسحاب تسع ساعات نظراً للصعوبة التي عاناها الإسرائيليون في التراجع وبفضل القصف المركز من جانب قواتنا.(2)
خسائر الطرفين:العدو عدد القتلى 250 قتيلاً وعدد الجرحى 450 جريحاً. تدمير 88 آلية مختلفة تمكن العدو من إخلائها وقد شملت 27 دبابة و 18 ناقلة و 24 سيارة مسلحة و 19 سيارة شحن و 20 دبابة وآلية مختلفة بقيت في أرض المعركة وإسقاط 7 طائرات مقاتلة.قواتنا الباسلة عدد الشهداء 87 شهيداً وعدد الجرحى 108 جرحى. تدمير 13 دبابة و 39 آلية مختلفة0
1- انظر الرابط التالي:ar.wikipedia.org/wiki/معركة_الكرامة - 124kوانظر :المستجدات السياسية والعسكرية على الساحة الاردنيةد0 احمود حرب اللصاصمه ص/ ص59
2- وانظر تاريخ الأردن وحضارته د0 عبد المجيد الشناق ص:417
.نتائج المعركة:
مع انتهاء أحداث المعركة يكون العدو قد فشل تماماً في هذه العمليات العسكرية دون أن يحقق اياً من الأهداف التي شرع بهذه العملية من أجلها وعلى جميع المقتربات وعاد يجر أذيال الخيبة والفشل فتحطمت الأهداف المرجوة من وراء المعركة أمام صخرة الصمود الأردني ليثبت للعدو من جديد بأنه قادر على مواصلة المعركة تلو الأخرى ، وعلى تحطيم محاولات العدو المستمرة للنيل من الأردن وصموده وأثبت الجندي الأردني أن روح القتال لديه نابعة من التصميم على خوض معارك البطولة والكرامة. وفشل العدو في مخططاته التي عرفت من الوثائق التي كانت لدى القادة الإسرائيليين ، وتركت في ساحة القتال ، وهي احتلال المرتفعات الشرقية ودعوة الصحفيين لتناول طعام الغداء فيها. كما جسدت هذه المعركة أهمية الإرادة لدى الجندي العربي والتي كانت على قدر عالٍ من القوة والتصميم وساهمت بشكل فعال في حسم ونجاح المعركة. كما أبرزت أهمية الإعداد المعنوي حيث كان هذا الإعداد على أكمل وجه ، فمعنويات الجيش العربي كانت في أوجها ، حيث ترقبوا يوم الثأر والانتقام من عدوهم وانتظروا ساعة الصفر "ساعة الكرامة " بفارغ الصبر للرد على الظلم والاستبداد. وأبرزت المعركة حسن التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد لدى الجيش العربي. مثلما أبرزت أهمية الاستخبارات إذ لم ينجح العدو بتحقيق عنصر المفاجأة نظراً لقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية والتي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص حيث تمحص وتحلل النتائج فتنبأت بخبر العدوان من قبل إسرائيل مما أعطى فرصة للتجهيز والوقوف في وجهها. كما برزت أهمية الاستخدام الصحيح للأرض حيث أجاد جنود الجيش العربي الاستخدام الجيد لطبيعة المنطقة وحسب السلاح الذي يجب أن يستخدم وإمكانية التحصين والتستر الجيدين بعكس العدو الصهيوني الذي هاجم بشكل كثيف دون معرفة بطبيعة المنطقة. بعض ردود الفعل أ. قال حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي في حديث له أن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران. ب. قال عضو الكنيست الإسرائيلي ( شلومو جروسك) لا يساورنا الشك حول عدد الضحايا بين جنودنا، وقال عضو الكنيست ( توفيق طوني) لقد برهنت العملية من جديد أن حرب الأيام الستة لم تحقق شيئاً ولم تحل النزاع العربي الإسرائيلي. ج. طالب عضو الكنيست ( شموئيل تامير) بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في نتائج الحملة على الأرض الأردنية، لأن عدد الضحايا أكثر نسبياً في القوات الإسرائيلية. د. وصف قائد مجموعة القتال الإسرائيلية المقدم( أهارون بيلد) المعركة فيما بعد لجريدة دافار الإسرائيلية بقوله( لقد شاهدت قصفاً شديداً عدة مرات في حياتي لكنني لم أر شيئاً كهذا من قبل لقد أصيبت معظم دباباتي في العملية ما عدا اثنتين فقط). هـ. قال أحد كبار القادة العسكريين العالميين وهو المارشال جريشكو رئيس أركان القوات المسلحة السوفياتية في تلك الفترة( لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية). لقد كان يوم الكرامة أغرً محجلاً في تاريخ العسكرية العربية بعامة والأردنية بخاصة، حيث أثبت الجندي الأردني بأنه قادر على انتزاع النصر بقوة، وأثبت كفاءته وقدرته على تحمل الصعاب والمشاق من أجل وطنة، لقد كان يوم الكرامة يوم الجندي الأردني الذي جسد خلاله قوة بأس وصلابة الجيش العربي الأردني، وأبرزت معركة الكرامة دروساً في التلاحم الوطني وقيادة أردنية هاشمية من طراز فريد ، مثلما أبرزت تعاوناً بين صنوف الأسلحة المختلفة، وسطر شهداء الجيش العربي الأردني بدمائهم الزكية صفحة مشرقة في تاريخ وطنهم وأمتهم يخلدها لهم التاريخ على مدى الزمن السرمدي. فيا شهداء الكرامة ، ويا ملح الأرض ، ويا شهداء الأقصى واللطرون وباب الواد والجولان . ويا شهداء كل مواقع العز والشرف والرجولة ، ستبقى سيرتكم العطرة قناديل هدى لمعاني الحرية والسيادة ، ومشاعل حق لمعاني النصر والإرادة ، ولحناً أردنياً مكللاً بالحناء والدحنون والقيصوم والشيح والزعتر ، شامة على جبين التاريخ ، وعنواناً صادقاً لوجودنا وكرامتنا ، ونهجاً أردنياً هاشمياً ضارباً في عمق التاريخ والحضارة نتلو على أرواحهم صباح مساء قول الحق تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون " وسيبقى الأردن بقيادته الهاشمية المظفرة المكان الآمن بإذن الله والموئل العزيز للأحرار ومشعلاً للحرية والعدل والمساواة وبوابة الفتح والنصر والكرامة وسيبقى الجيش العربي الذي صنع نصر الكرامة عنواناً للأمن والسلام فمن الحسين إلى أبي الحسين رايات عز وفخر تبشر بمستقبل مشرق وأمل كبير وعطاء بلا حدود .وقد سقط في هذه المعركة وعلى محور غور الصافي مجموعة من الشهداء منهم0(1)
1- موسى حمدان العشوش
2- موسى حماده العشوش
3- عبد الرحيم عبد الرحمن العشيبات
4- عفاش عبد العزيز العشيبات
5- عنبر عفاش عبد العزيز العشيبات
6- جميل خضر كايد العشيبات
7- علي إسماعيل هيشان وعمره 8 سنوات
رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته مع الشهداء والصديقين
1- هذا ما أفاد به السيد يعقوب حمود العشوش الذي كان شاهدا على المعركة
شاهد عيان على معركة الكرامة:الرقيب اللاسلكي المتقاعد / يعقوب حمود العشوش
صوره
باديء ذي بدء لا بد لي من القول انه في صبيحة يوم 12/ آذار / 1968 استيقظت مبكرا على أزيز الطائرات وهدير الدبابات ,وعربات المدفعية , مذهولا , مفزوعا حيث خرجت على غير هدى من منزلي كغيري من أبناء الأغوار الذين أذهلتهم المفاجأة مستطلعا الأمر , وإذا بي أرى طائرات الهيلوكبتر والدبابات والعربات المدرعة تحرث الأرض وتعيث بها فسادا , فبحثت عن والدي الذي لم أره حينها ,فإذا به يشهر رشاشه ( م 60 ) ( البرن) ويزوده بالذخيرة, فسألته ما لذي تصنعه يا والدي ؟ فرد قائلا : ما دمت املك السلاح فلا بد أن نستخدمه ونقاوم به العدو يا ولدي , فقلت له : لا تستطيع مقاومة طائرات محملة بالقنابل وجيش مجحفل بدباباته , ونحن مزارعون قلائل ولا احد يملك السلاح غيرك وبعض أهل القرية وهم قلة قليلة , استدرك الأمر وأمرني أن التحق بمرتبي فورا , فالتحقت بمخفر الصافي , حيث كنت مجازا حينها إجازة سنوية لمدة 14 يوما وعندما وصلت إلى المخفر لم أجد فيه إلا شرطي واحد يدعى (شحاده زعل ) يتمركز خلف رشاش من نوع م60 , وجلست خلف جهاز اللا سلكي وفتحته , وبدأت أخابر شرطة الكرك , وطلب مني البقاء على الخط للحديث مع مدير الشرطة , وسألني مدير الشرطة عن نوع الأسلحة المستخدمة , فأجبته دبابات وطائرات ومجنزرات وألوية مدرعة وألوية محمولة , وأثناء حديثي مع مدير الشرطة كانت قوات العدو الإسرائيلي قد تمركزت خلف مسجد القرية ( الجور ) وقسم منها لاحق أهل القرية الذين فروا إلى أم الهشيم , عندها أخبرت مركز الأمن الرئيسي في الكرك بان جيش الدفاع الإسرائيلي قد احتل المنطقة كاملة , وهي منطقة حدودية وسرعان ما تمت السيطرة عليها لعدم وجود قوات مسلحة بشكل جيد تتصدى للهجوم المفاجئ والمباغت , لان سياسة العدو كانت تهدف إلى خلق محور في المنطقة لتوسيع جبهة القتال , أثناء ذلك داهمتنا قوات العدو وقاموا باعتقالي أنا والشرطي الوحيد في المخفر 0
اخذ العدو يوجه السؤال تلو السؤال واخذوا يوجهون النداء تلو النداء لأهالي المنطقة الفارين أن يتجمعوا في قرية الجور , فأذعن الفارين وعادوا للتجمع في القرية المعنية بينما الطائرات تجثم خلف المسجد وبقية الآليات الثقيلة من دبابات ومجنزرات
كان قائد الوحدة المقاتلة الاسرائلية يمسك بيد مدير الناحية المرحوم (علي السحيمات ) ويطلب منه أن يعرفه على سكان المنطقة بالواحد وكان برفقته المرحوم فلاح الياسين مختار عشيرة العشيبات وعندما سألني عن عملي قلت له باني شرطي وطلب مني أن اعرفه على بقية الناس فقلت له بأنهم مزارعين وليس بينهم احد من الجيش , فأشار إلى رجل غريب من غزه فقلت له باني لا اعرفه
أشار قائد الجيش إلى اثنين من الجنود وأخذا بذراعي الأيمن والأخر بالأيسر وُطلب مني أن اخذ الأرض وان اكب على وجهي واضعا يدي تحت جبهتي حيث استمر ذلك الحال حتى الرابعة مساء وبعدها قيدوني وعصبوا عيوني ونقلنا بعد ذلك بإحدى الدبابات إلى جهة لم نعرفها
وفي أول منطقة لهم أنزلونا ثم ركبنا بسيارة كبيرة , وهناك نزلنا مرة أخرى , استخدمت معنا أثناء ذلك ألوانا من السخرية والتهكم والسب واللعن وبعد ذلك بيومين بداؤا التحقيق معنا , وكان اغلب المحقق معهم فدائيون من منظمة فتح وتكررت التحقيقات مرة تلو المرة والأسئلة هي نفس الأسئلة وذقنا خلال ذلك ألوانا من العذاب والاضطهاد لا يعلمها إلا الله كانت أياما من القهر والإذلال والتشفي من عدو حاقد لا يعرف الرحمة أو الاسترحام ,
بعد أن تمت تبرئتي نقلنا إلى أريحا ننتظر العودة إلى ارض الوطن حيث مكثنا في الاعتقال 75 يوما لم يمر يوم إلا وكان الذي بعده أسوأ منه وعندما اخلي سبيلنا عدنا إلى ارض الوطن فرحين مستبشرين 0
فرحنا لأمر أسرنا وهو ذلك الانتصار الذي حققه الجيش الأردني الباسل على العدو الحاقد مما شفى غلنا وأشعرنا بالعزة والكرامة 0
وحزنا لذلك الدمار الذي ألحقه العدو بالقرية البسيطة الواعدة قرية الجور التي عاش فيها الآباء والأجداد وجدنا المحال التجارية مهدمة ووجدنا الأهل قد تركوا الديار خوفا وهلعا من لؤم العدو البغيض
إن بواسل الحسين طيب الله ثراه أبطال الكرامة الخالدة الذين تربوا على يده الكريمة قد أذاقوا العدو مرارة الهزيمة والهوان حيث عاد العدو يجر أذيال الفشل والخيبة بعد تلك الهزيمة المنكرة واختارها رب العالمين في الكرامة لتكون للأمة كرامة , فقد خلف العدو خلفه عشرات القتلى والجرحى والدبابات كشاهد على هزيمتهم النكراء وأنى يؤفكون 0
يعقوب حمود العشوش
رقيب لا سلكي متقاعد / الأمن العام
رقم " 6551 "