ثورة النساء
المرأة الجزائرية في يومها العالمي هي وليدة بالتأكيد تلك الحقبة التاريخية التي لا زالت لم تندمل ولا زالت الذاكرة تبحث عن مستضيف. نساء الثورة والمقاومة الرمزية الثقافية والفنية، وبالسلاح والتمريض والتعهّد بالمجاهدين في الجبال والشعاب والكهوف.
نستحضر اليوم في ذكرى 8 مارس، أهازيج الثورة لأمهاتنا وأخواتنا وهن يقاومن الاحتلال بحناجرهن المبحوحة وعواطفهن المجروحة.
الأهزوجة النسائية هي بناءٌ فني خاص تعتمد على خصائص فنية فلكلورية مستمدة من الرقص الذي هو رمزٌ تعبيري جسدي لممارسة الحياة، وهي ارتباطها مع الأرض والطبيعة وبالحياة اليومية المواكِبة لها، والتي هي الأخرى تمثل مقاومة الطبيعة والحياة اليومية عبر مظاهر الصيد والزواج والولادة والموت، كما يشير إلى ذلك بلند الحيدري في حديثه عن الرقص البدائي.
الملاحظ هو أن، الأهزوجة النسوية الجزائرية، لا تمثل الوحدة العضوية بين باقي الأهازيج المردَّدة في المناسبة ذاتها، ولو أنها تمثل وحدة موضوعاتية، فكل بيت “أهزوجة” يملك استقلالية وينفرد بموضوعه ووصفه وحالته النفسية. وقد تنتقل النساء المردِّدات لهذه الأهازيج من موضوع إلى آخر بشكل فنطازي، ما يزيد الأهزوجة ثراءً وتنوعا وتماوجا إيقاعيا، ذلك لأن بعض الأهازيج تتطلب رفع الصوت عاليا إذا كان للنداء أو للنجدة، وهما موضوعان للأهزوجة مثلا:
“يا عمّار يا القادي النــار … دِيـرْ المينـا بيـن الطّرقان”
أو كما في هذه الأهزوجة:
“ياخاوتي سكتولي بنتي … راني غادي نجـاهد مانوليشي”
أما باقي الأهازيج، فقد تؤدَّى بشكل رتيب، فيما عدا لحظات التبديل التي تعلنها “الزراعة” (الشاعرة) والتي تصاحبها ضربات الدف المرتفعة. وإذا كان الرقص يتماشى والأهزوجة، فإنه في حالة الأهزوجة الثورية الخاصة بالثورة المسلحة، فالرقص الرجالي يختفي لتفرغ الساحة للنساء فقط يغنين ولا يرقصن أي يتوقفن عن الحركة المعتادة في أهازيج الانفراج، والسبب واضح وهو أن المجال لا يليق بمقام الثورة. وعادة ما تلاحظ امرأة تغادر الصف فورا تفاديا للسقوط وسط الصفين مغشيا عليها، مما يؤكد وجدانية الأهزوجة وارتباطها الوثيق بالنسق الميثولوجي وبقداسة الثورة المسلحة ثورة التحرير الوطني الجزائرية وشهدائها، ولهذا فهن يقلن:
“أنت جــاهد وأنا نغنّي … حتى نتلاقــاو فالحريــة”
بل أكثر من ذلك أنهن يطالبن المشاركة الفعلية في المقاومة المسلحة:
“يا خــوتي راني مظلومة … أدّيوني لكــاف الزعماء”
أو في هذه الأهزوجة التي ترفض الوجود الفرنسي جملة وتفصيلا، وتعتبر وجوده هنا وجودا مؤقتا:
“جابتك الحملة ودّاك الواد … يا فرنسا ما عندك بـلاد”
أو هذه الأهزوجة التي تمثل أوج روح الرفض لكل أشكال القوانين الاستعمارية بما في ذلك “مهزلة الانتخابات الرئاسية”:
“لوكان يجرّوني على شْطب القندول … ما نفوطيشي على ديغـول”.
وعليه، فمعظم الأهازيج، كلامٌ عفوي يخضع لنفس الإيقاع الراقص وبالتالي، فالأهزوجة هنا، هي مجرَّد تعابير عفوية لمزاوجة الرقص. فهي تابعة لا متبوعة. وعليه أيضا، فإن “الشعرية”، كوزن وكقافية غير مشترطة، لأن الأهزوجة لوحدها وبدون مصاحبة إيقاعية لا معنى لها، بل وان الاسترسال في أدائها، يتطلب مزاوجتها بالإيقاع أي بالدق على الدف، فهي إذن مرتبطة باللحن والإيقاع وليست مرتبطة بوحدة شعرية وضرورة وجودها.
الأهزوجة النسائية، كانت ولا تزال سلاحا مقاوِما لدى المرأة الجزائرية، مقاومة للظلم والتعسُّف وشظف العيش وأملها في البقاء، اليوم وغدا.
نستذكر اليوم مآثر المرأة الجزائرية التي أنجبت “الجميلات” وأنجبت اليوم جنديات المآزر البيضاء والحمراء وفي الجامعات والمدارس والمصانع ومخابر البحث وفي قوى الجيش والأمن وفي كل تخصص، تحضر اليوم المرأة لاستكمال ما بنته سواعد وحناجر الجدات.
ثورة النساء
عمار يزلي
2023/03/06