أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
سبحانك اللهم! تغيّر كل شيء في العالم يحكمه قانون الحياة! فما كان صغيرا في الأشياء قد تطور، وما كان مستعمرا من الناس قد تحرر، وما كان متخلفا من العقول قد نما، وتحضر، إلا العقل الاستعماري الفرنسي بالذات، فهو لا يزال في «ضلاله القديم»، وفي ظلمه العقيم.
وإن من علامات اندحار وانهيار أطروحة الاستعمار الفرنسي، ما طلع به علينا، أحد مهندس هذا الاستعمار، وهو السفير الفرنسي السابق بالجزائر كزافيي دريانكور.
فقد خرج هذا الدبلوماسي المبشر بأطروحة الاستعمار الفرنسي بالجزائر، ليتنبأ بانهيار الجزائر الجديدة، وقد يجر هذا الانهيار إلى سقوط فرنسا العتيدة.
إنها نبوة رهباني دبلوماسي نصاب وتكهنات من مسيلمة العصر الكذاب. فقد عهدنا السفير الفرنسي، أو أي سفير في أي بلد يعمل على لم الشتات، ويسعى لرأب الصدع بكل الوسائل والمحاولات.
لكن القاعدة بطلت في هذا المستوى من التحليل والتشخيص عند سفير فرنسا، الذي يحكم ضمنيا – إن كان صادقا في تنبؤاته- وهو من سابع المستحيلات، إن كل جهوده الدبلوماسية قد باءت بالفشل، إذ أنه بدل أن يعمل على تعزيز العلاقات بين البلدين، وصيانة ما يمكن توثيقه بين الجزائر وفرنسا، قد أدت دبلوماسيته إلى طريق مسدود، ينذر بالانهيار والاندحار.
مأساة السفير الفرنسي السابق في الجزائر أن هذا الاستنتاج منه، جاء بعد عهدتين من سفارته [عام 2012-2008] و[2020-2017]، وهي فترة التحولات الكبرى في الجزائر التي شهدت سقوط العصابة، وانطلاق الحراك الشعبي الظافر الذي قام على أنقاض العهد التعسفي، فرفع الشباب الحراكي شعار «جزائر ابن باريس»لا جزائر باريس».
إنه ليسوؤنا أن يأتي حكم السفير الفرنسي بعد إقامته في الجزائر، هذه الحقبة الطويلة من الزمن، ليخرج علينا بهذا النوع من «العفن» لبث المزيد من الفتن والمحن في هذا الوطن.
وتبريرنا لما آل إليه السيد كزافيي
XAVIER الذي يقدمه الإعلام على أنه رجل خلايا، بأسوأ ما في هذا المصطلح من معنى، أن هذا الدبلوماسي، قد رأى كل شيء في الجزائر إلا الجزائر الحقيقية.
فقد كان محاطا بالجزائريين «الطايوان» من بني «وي وي» الذين زيفوا له حقيقة الجزائر، وطافوا به حول كل ما هو مزور، وخائر، بدءًا «بوادي الحراش» الذي غرس قلمه في مياهه الآسنة ليكتب كتابه المدنس «لغز الجزائر» وانتهاء بواد «أوشايح» الذي استلهم من طنين ذبابه، وعفن ناموسه، كل ما هو فاسد ومدنس.
ساءنا –والله- أن ينتهي السفير الفرنسي السابق في الجزائر إلى هذه النتيجة المؤلمة، فيزيد بها جراحا في ذاكرة الجزائريين المثخنة بالجراح، وتجيء أحكامه مناقضة للواقع المعيش، الذي يرفض كل جزء منه ما انتهى إليه من ظلم، وعدوان في حق المواطنين والأوطان.
وصدق الإمام الإبراهيمي في تشخيصه للظاهرة الاستعمارية الفرنسية، حين كتب ذات يوم [في 16 جانفي 1950] يقول: [لم يرزقنا الله حاسة ندرك بها الفرق بين موظف فرنسي وآخر، فهم جميعا نسخ من كتاب واحد فالعالم والنائب، والجندي، والحاكم، والموظف البسيط، والفلاح، كلهم في الداء الاستعماري سواء حقا. إن «الاستعمار شيطان» وإن الشيطان لكم عدو، فاتخذوه عدوا.]
وإلا فما كان لموظف دبلوماسي، مهمته التفنن في حسن صياغة الكلام، والعمل بكل ما أمكن في إشاعة الوئام، وإزالة الخصام، والعيش بين الأمم بسلام، ما كان لمن هذه هي مهنته أن يتحول إلى مبشر بإنجيل الاستعمار، وداع إلى تعامل بلده فرنسا مع الجزائر بلغة العنف، والشدة والخصام؟
إن من علامات صحة الجزائر، أنها وعت ذاتها الحضارية، ها هي اليوم، تدعو إلى التمسك بهويتها وأصالتها، وتفك قيد الغزو الثقافي عن عقول أبنائها، فتتجه إلى لغة العلم والعالم، بدل لغة الظلم والظالم.
وبعد؛ فإذا كان لنا من درس يمكن أن نستخلصه من هذا المبشر بالإنهيار في جزائر الأحرار، فهو أن نقف عند مجموعة من الإيجابيات يجب التأكيد عليها وأهمها:
1- المضي قدما إلى الأمام، بتطهير الحقول والعقول من الأثر الفرنسي الذي لا يزال يذكرنا بمن كان سببا في إثخان ذاكرتنا بالجراح.
2- الضرب بيد من حديد على كل من لا يزال يروج للأطروحة الاستعمارية، سواء في جانبها الثقافي، أو التربوي، أو الاقتصادي أو السياسي.
3- تنقية المنهج التربوي لجزائرنا من كل ما يمكّن للاستعمار تاريخيا، أو جغرافيا، أو لغويا.
4- تنقية المحيط الاجتماعي، والتجاري، والاقتصادي، من الإشهار بالبنط العريض باللغة الفرنسية، والدعوة إلى إغلاق كل محل تجاري أو ثقافي أو تربوي، يروج لأحادية اللغة لصالح لغة الاستعمار. وفي ضوء هذا كله فإن على القائمين على الشأن السياسي في بلادنا، أن يقوموا بعملية الفرز في التعامل، على أساس مصلحة الجزائر قبل كل شيء، وكل شيء في سبيل تعزيز مصلحة الوطن، بحيث تكون له الأولوية.
فيا بني وطني! أيها المخلصون في جزائر الأحرار لقد آن الأوان، لبعض الأغرار، من أبناء وطننا، أن يعودوا إلى الذات، وأن يرعووا عن غيّهم، فيدركوا صحة مقولة المعلم الجزائري في المدرسة الثعالبية القديمة حين قال «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ولو اتبعت ملتهم»
يشهد الله، أننا لسنا دعاة حرب ولا بغاة فتنة، ولكننا ندين بقول الله تعالى :
﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾[سورة البقرة، الآية: 194].
وإن هذه المكائد، والشدائد التي يثيرها أعداء الجزائر، لن تزيدنا إلا عزما وحزما وصلابة ومهابة، لأننا أصحاب رسالة وحق، وقيم، وبالتالي فنحن أولو قوة وأولو بأس شديد، والحق أحق أن يتبع.
إن ما أتى به سفير فرنسا السابق إن هو إلا حلقة في سلسلة من المؤامرات والمناورات وعلينا أن نتحصن، ونحصن أبناءنا ضد هذه الألوان من الكيد والصيد، وستكون العاقبة للمتقين.
﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ سورة الرعد، الآية: 17].
وذلك ما سينطبق على أطروحة الاستعمار في جزائر الأحرار، التي سيكون مصيرها الانهيار والاندحار.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.