كم كنت أتجنب الحديث في المسائل العقدية التي وقع فيها خلاف ظاهر بين علماء الأمة على مر القرون، وكنت أعد إثارتها من قبيل إشغال الأمة عن مقصد التمكين لدين الله الذي هو أسمى أماني أي رسالي. والتمكين إعلاء كلمة الله، وجعلها هي العليا فوق كل التشريعات الأرضية والشعارات الحزبية والقناعات المذهبية.
إن التوحيد الحقيقي هو إفراد الله عز وجل بالعبادة، دون تلبيس أو شرك. ولا شك أن الكفر والشرك واقع في آحاد الأمة، لسبب أو آخر، راجع لاعتبارات إيمانية وفكرية وقلبية ومصلحية. ولنقرأ هذه المعاني في ضوء هذا النص النبوي الذي يعتبر من بين الأحاديث التي تدل على دلائل النبوة، كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله. فعن عقبة بنِ عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “... وإني والله ما أخاف عليكم أن تُشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها” رواه البخاري ومسلم.
انظر كيف ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين مغريات الدنيا ومسألة الشرك، وكيف أن الشيطان ينصب بين عينك الفقر حتى يوقعك فيما هو أعظم، ولهذا عبّر عنها القرآن الكريم بقوله: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم} البقرة:268.
فرأيت الكثيرين ممن سقطوا في حبال الأموال والتعاملات بها، بل كيف أصبحت الدعوة سجلا تجاريا للبعض ويتنافسون على الصدارة والقيادة والزعامة من أجل الحصول على الخُمُس كالشيعة المخصص لمراجعهم؟ وكيف أصبحت التزكيات تأتي من المسمى: حامل لواء الجرح والتجريح، يرفع هذا ويخفض هذا.
إن القرب والبعد بحسب قوة الصدع بمحاربة الشرك المزعوم، والتبرء من الأشاعرة والماتردية والصوفية، وتفسيق وتبديع للجماعات الإسلامية في الساحة كالإخوان والتبليغ والسروريين. وأصبح كل همّهم: مشركون، قبوريون، ضالون، مبتدعة... وأنا أعرفهم بشخوصهم داخل الوطن وخارجه، كلهم أصبحوا أرباب أموال وعمارات وسكنات، وزوجات مثنى ورباع على من استطاع. بل أصبح الولاء والنصرة على قدر الإنفاق على الأتباع، وإيجاد منافذ كسب الرزق مثل فتح محلات تجارية أو إنشاء وكالات سياحية، وأصبح الثراء ظاهرا للعيان، ومن أراد البرهان الماثل أمام العيان. فلا ترى إلا سوادا في الوجه، وحلف في البيع، وأكل للدين، ورشوة لتسليك البضائع من الحواجز، فضلا عن التهرب من الضرائب. فعن أي عقيدة تتحدثون، وعن أي شرك تكفرون، لقد انكشف أمركم وبان مقصدكم، وفضحكم الزمان رغم استنجادكم بالحكام وتخديركم للعوام!!!
فسبحان الله كم عرفت من كانوا طلبة علم عاديين، ومع السواد الأعظم سائرين، وبسبب موقف عابر، أصبحوا لإخوانهم خاسرين، فاستغلت الطائفة المعروفة حالة الضيق والتضييق وبسطوا لهم يد العون بالدرهم والدينار، والإفساح في المجالس، وإضفاء لقب شيخ الإسلام ومجدد عقيدة العوام، وناصر الحق بعد عشرة في ظلام، فسبحان مغيّر الأحوال.
ولاحظت في هؤلاء مظاهر غريبة، والتعميم آفة، والاستثناء لازم، والبيان واجب: يحبّون المال حبّا جمّا. الخوف من السلطان خوفا ودعما. الركون إلى ما ليس فيه تكلفة وذما. عدم الثبات على شيخ واحد واتهامه ظلما. التطاول على رموز الأمة سبا وشتما. ادعاؤهم العلم زورا وتدليسا كيفا وكمّا. كلما خاضوا في مسألة فرعية إلا جعلوها أعظم جرما. استحلال الغيبة في إخوانهم من باب الجرح زعما. غياب النور في وجوههم باطنا ورسما. والتطاول على المذاهب الأربعة تشويها وهدما. فهذه عشرة كاملة، ولمناهجهم شاملة، حصرا ورسما من غير وكس ولا شطط.. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
التدين المغشوش
اسلاميات 15 فيفري 2023 (منذ يوم واحد) الأستاذ بلخير طاهري الإدريسي
* أستاذ الشريعة والقانون بجامعة وهران
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.