زلزال تركيا وسوريا دروس وعبر
كلنا يتابع آثار الزلزال المدمر الذي ضرب الأراضي السورية والتركية، وخلف عشرات الآلاف من الضحايا، ولقد تفاعل العالم بأسره مع المصابين وتسابقت الدول إلى مد يد العون والمساعدة.
الزلازل هي ظاهرة جيوفيزيائية شديدة التعقيد، وهي اهتزاز حاد للطبقة العليا للكرة الأرضية، وهي إحدى الكوارث التي تصيب مجالات جغرافية معينة من سطح الأرض بصورة دورية ومنتظمة تقريبا. والزلازل من حكم الله تعالى العظيمة، هي وغيرها من الكوارث والظواهر الطبيعية الإلهية من الله تعالى، فيها حكم بالغة، وعظات مؤثرة، وعبر ودروس كثيرة، لكن ربطها بمنطق العقاب وحده تأل على المولى سبحانه وتعالى.
لا شك أن للزلازل والاهتزازات أسبابا دنيوية مادية، لا ينكرها منكر، وقد أقر بهذه الأسباب علماء الشرع منذ القدم. وحكمة الله عز وجل وقضاؤه وقدره فيه من الأسرار ما لا يدركه عقلنا ووعينا المحدود داخل دائرة عالم الشهادة، ولقد اجتهد العلماء لاستنباط بعضا من هذه الدروس والعبر؛ نذكر منها:
بيان عظمة قدرة الله عز وجل، فهو القادر سبحانه على كل شيء، وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون؛ قال تعالى: {قل هو القادر على أَن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}. إنها رسالة من الجبار جل جلاله يرسلها على الكفار والعصاة؛ يخوفهم بها، ويوقظهم بها من رقدة الغفلة، لعلهم يتوبون إليه، قال تعالى: {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم}، وقال تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}، وقال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}. قال العلامة ابن القيم: وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم.
إن هذه الحوادث والقوارع توقظ قلوبا غافلة؛ فهي إيقاظ الغافلين واعتبار المؤمنين؛ إن الله سبحانه وتعالى يري عباده من آياته ليعتبروا ويتوبوا، فالسعيد من تنبه وتاب، والشقي من غفل واستمر على المعاصي ولم ينتفع بالآيات.
هذه الزلازل تذكرنا بيوم الزلزلة الكبرى: {يوم القيامة لا ريب فيه}، لذا كان من الواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والرياح والفيضانات البِدَار بالتوبة إلى الله سبحانه، والضراعة إليه، وسؤاله العفو والعافية، والإكثار من ذكره واستغفاره؛ ففي الصحيحين أنه لما خسفت الشمس زمن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى طويلا، ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا”، ثم قال: “يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته”.
المسلم الحصيف ينبغي عليه أن يلتزم هدي الإسلام في مثل هذه المواقف، فيلجأَ إلى الله تعالى، ويكثر من الأعمال الصالحة، وخاصة الصدقة؛ فالزلازل والكوارث تنبيه من الله عز وجل لعباده، وتجب التوبة إلى الله، والإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء وقراءة القرآن؛ فإن الله تعالى يقول: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا”. وكذلك فإن الاستغفار له أثر كبير في منع وقوع العذاب، وقد قال تعالى: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.
ووقعت رجفة في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أهل البلدان: “إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: {قد أفلح من تزكى}”.
يذكر العلماء ويتحدث الأخصائيون عن تكاثر المتغيرات الكونية على هذه الأرض وتتابع الحوادث والكوارِث في هذا العصر، حتى قالوا: إن الزلازل في السنوات القريبة الماضية أكثر منها أربع مرات مما لم يحصل مثله سوى مرة واحدة طوال عشرين سنة أو أكثر في أوائل القرن الماضي، ويقولون: إنه كلما تقدمت السنوات زاد عدد الزلازل وأنواع الكوارث. وهذه علامة من علامات الساعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض”.
وأن ما يذكره علماء الأرض من أسباب للزلازل لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى من بأسه وسوطه وغضبه وانتقامه. والكوارث شيء طبيعي والابتلاء ماض إلى أن تقوم الساعة، سواء للمؤمنين والكافرين، بالنسبة للمؤمن الذي صبر فهو طهور ورفعة درجات، أما للكافر فهو عاجل عقوبة وتخويف لعلهم يرجعون، وأشد الناس بالابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ويُبتلى الناس على قدر دينهم، ابتلي الصحابة في الطاعون وهم خير الناس بعد الأنبياء، وتوفي منهم عدد كبير من الصحابة ومن ذرياتهم، ولم يتلقوا ذلك إلا بالصبر والاحتساب، ومن قضى من المسلمين سواء في تركيا أو سوريا، فله أجر الشهيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الشهداء خمسة: المطعون، المبطون، الغريق، وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله”.
هذا، وإن ضحايا الزلزال ينتظرون نجدة إخوانهم؛ فالواجب على كل من يستطيع أن يقدم أي نوع من المساعدة أو الإعانة أن يبادر بقدر ما يستطيع والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ونرجو من جميع المسلمين الدعاء لهم أن يخفف مصابهم وأن يقفوا معهم ويدعموا الجمعيات التي تساعدهم وتقوم برعايتهم.
كما يجب علينا في الدنيا السعي إلى معرفة سنن وقوانين هذه الظواهر وتطوير الحلول العلمية لها، وإنجاز بنايات مقاومة للزلازل، وإنشاء بنى تحتية تحقق مصالح الناس بناء على ما توصل إليه العلم والخبرة الانسانية ذات الامتداد الضارب في التاريخ.