“عود على بدء”، و”تعود حليمة لعادتها القديمة”.. “خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الخلف”، “الذئب لا يتربّى”، و”ضارب الدف لا ينسى هز الأكتاف”، كل هذه العبارات والأمثلة صالحة لكي تفسر السلوك الفرنسي تجاه الجزائر: المستقبل بعقلية الماضي هو ما يطبع هذه “العلاقة المريرة التي لابد منها”. نقول هذا في ضوء ما حدث مؤخرا من انتكاسة جديدة في العلاقات بين البلدين قد تعيدنا إلى المربع الأول قبل فبراير 2019، كون أن ما حدث هو امتدادٌ لتلك الفترة وجزء من كل الحسابات الخاطئة التي راهنت عليها فرنسا الاستعمارية لتُبقي البلادَ حديقة خلفية لها.
والأسوأ قد حدث، لا يمكن التنبؤ بما قد يلي ذلك من خطوات رد الفعل الجزائري على هذا التهور والاستفزاز الفرنسي الصارخ والفاضح الصارخ بـ”عقلية البارح”، غير أن رد الفعل سيكون بحجم الضرر الذي سبّبه الطرف الفرنسي، ولن تكون هناك تهدئة ولا تجاوز لما حدث قبل أن تُصلح فرنسا الخطأ مضاعفا. الطرف الجزائري، فيما نعلم من قواعد رد الفعل في ظل الظروف الجديدة في الجزائر الجديدة، لن يسكت ولن يقبل أقلّ من تعويض الضرر المعنوي وإصلاح ما أفسده المعتدي على السيادة. قد يستغرق هذا وقتا ليس بالقصير، وقد تتبعه تبعاتٌ قد تطول إلى أن يلين ويرضخ الجانب الفرنسي للمطالب الجزائرية التي ستكون حتما مضاعفة، جبرا للضرر وتنفيذا للتفاهمات السابقة بشأن التعامل مع المطالب الجزائرية بجدِّية وحزم هذه المرة، ومنها تسليم المطلوبين للعدالة الجزائرية على التراب الفرنسي كلهم، والتعهُّد المكتوب النهائي بالكفِّ عن هذه المعاملات.
هذا الأمر لن يكون سهل التنفيذ من قِبل الطرف الآخر، كبرياءً وصلافة، وسيراهن كالعادة على الوقت وملف التأشيرات والعلاقة الجيدة بين رئيسي البلدين، التي كانت ستدفع باتجاه “تطبيع العلاقات” بين البلدين بشكل مستمر ومتواصل لولا هذا التورط من جديد بسبب ضغوط وممارسات الخط الموازي للرئاسة الفرنسية.
فرنسا الرسمية التي تمشي على حبلين أو خطين يبدوان متوازيين كخطي السكة الحديدية، خطان متوازيان مستقلان، لكنهما مرتبطان عضويًّا، يبدو أنهما لم يعودا كذلك مع الولاية الثانية للرئيس الفرنسي والوضع الذي يجد نفسه قائما فيه وعليه. الرئيسُ الفرنسي يشعر حاليا أن قدراته وسلطته وقوة فرنسا ووجودها مهددون في أكثر من بقعة إفريقية، وتناقضات داخلية حتى في البرلمان الفرنسي، مجبر على اللعب على الحبال تارة باتجاه الرضوخ لمطالب اليمين واليمين المتطرف وتارة للعمل وفق أجندة اجتماعية وسياسية تميل إلى اليسار وتستجدي اليسار المتشدِّد الذي بدأ في انتزاع كثير من الشعبية عن حزب ماكرون رفقة تيار اليمين. الخطان المتوازيان، لم يعودا متوازيين، بل صارت الانحناءات والانفراجات بين الخطين أكبر، قد تضيق وقد تتسع إلى حد التلامس والتلاصق وقد تتسع إلى حد التناقض والتنافر. وهذا سر وقوع إدارة ماكرون في فخ التقلبات المزاجية للقرارات ونقض القرارات بقرار مواز معيب ومهدِّم لما فات.
ماكرون سيريد أن تسكت الجزائر على “مثل هذه الأمور الصغيرة” التي يجب أن لا تؤثر في “العلاقات الكبيرة” بين البلدين وأن تمضي العلاقات لبناء الآفاق المشترَكة، لكن الجزائر لا ترى “الصغائر” الفرنسية إلا “كبائر” كبرى، لا يجوز السكوتُ عنها ولا تجاوزها. وهذا جوهر الخلاف في القدرة على فهم العقلية الجزائرية الجديدة الأصيلة في الموقف الجزائري من فرنسا.
لهذا كله، الأيام سجال، ولكن مستقبل زيارة الدولة للرئيس الجزائري لفرنسا بات على المحك وبات معها كل ما بُني وحُضِّر له على شفا جرفٍ هار.
انتكاسة قد تخلط كل الأوراق
عمار يزلي
2023/02/10
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.