يروي الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره”.
بعض الناس ـ هداهم الله ـ يكون عنده مشروع ما فيستأجر عاملا، فيبذل المسكين دمه ووقته، ويستفرغ وسعه ونشاطه في عز حر الشمس وقر البرد، وعندما ينتهي من عمله يقصد رب العمل ليستوفي أجره، فما يكون من صاحب العمل إلا المراوغة والتنكر، بل ويدعي الرداءة في العمل كذبا وزورا، بعدما أكل قوت الأجير وجهده، وما علم الجاهل أنه لا يخاصم مخلوقا بل إنه يخاصم رب العالمين، وقاصم الظالمين، وديان الخلق أجمعين.
إن من حكمة الله سبحانه أنه فاوت بين الخلق في أرزاقهم، وفي هذا التفاوت دليل على كمال قدرة الرب، وفيه مصالح عامة للخليقة، ليسخر هذا لخدمة هذا، ويسخر هذا بالبذل لهذا: {أهم يقسمون رحمة ربك، نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}، لقد تفشت في المجتمع وعظمت صور الظلم للعمال والأجراء، لأن الرحمة نزعت من قلوب العباد، وهانت عرى إسلام الكثير، وتمزقت خيوط إنسانيتهم، فعاملوا العمال شر معاملة.
هل سمعت رعاك الله بأظلم ممن لم يعط العمال رواتب سنة أو أكثر؟! وهل أتاك خبر بخس الأجور؟! وهل رأيت سوء حياة الكثير من العمال ومعاشهم؟! مما لا ينكر وجود طائفة في العمال رقيقة التدين والأمانة، لكن الأصل أن يعطى العامل حقه بموجب الاتفاق، ولا يبخس أجره ولا يؤخر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”. فيا قبح من استأجر أجيرا وأكل جهده ولم يعطه حقه، أتعلم أيها الظالم من تخاصم؟ إنك لا تخاصم عاملا ضعيفا، إنك تخاصم المولى جل في علاه، والله تعالى يرى هذا المظلوم ـ حتى ولو كان فاجرا ـ يرفع يديه إلى السماء، فيعظم الله دعوته ويقول: لأنصرنك ولو بعد حين.
من صور ظلم العمال إرهاقهم في العمل، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يكلف العامل ما لا يطيق: “للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق”، ومن صور ظلم العمال عدم دعوتهم وحضهم على الطاعة كالصلاة، فيمكث العامل عند رب العمل سنين ولا يأمره بالصلاة، هذا إذا لم يكن هو نفسه تاركا للصلاة!! ومن صور ظلم العمال احتقارهم وسبهم وشتمهم، دون وجل ولا مخافة من الله.
إن الأمة لتهون عند الله وتحرم كثيرا من الخير بسبب ظلمها الضعيف وتسلطها على المسكين، يقول جابر رضي الله عنه: لما رجعت مُهاجرة البحر قال صلى الله عليه وسلم: “ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة”، قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غُدَرُ (أي: يا غادر) إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صدقت صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم”. فحُسن الخلق مع الضعيف دليل على قوة الإيمان، وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الخلق خلقا وتعاملا مع الخدم. والله ولي التوفيق.
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.