يثير تعيينُ النائب الفرنسي، جوزي غونزاليس، نائبا لرئيس مجموعة الصداقة الفرنسية- الجزائرية في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي)، أكثر من علامة استفهام محيّرة؛ فالرجلُ معروفٌ بعداوته الصريحة لاستقلال الجزائر، وحنينِه الدائم إلى “الجزائر الفرنسية”، وإنكاره للجرائم الاستعمارية الفرنسية، فكيف يُعيَّن إذن في هذا المنصب؟! وكيف يمكنه المساهمة في ترقية “الصداقة” مع بلدٍ لا يريد أن يتقبّل حقيقة استقلاله عن فرنسا؟!
حينما ترأس غونزاليس هذا جلسةَ تنصيب الجمعية الوطنية في جوان الماضي بحكم أنّه النائبُ الأكبر سنًّا، أطلق تصريحا استفزازيا ناريا معاديا للجزائر المستقلة، قدّم فيه نفسه على أنّه ضحيّة استقلالها في 1962 وقد “رُمي به بعيدا على شواطئ بروفانس” بعد أن “انتُزع” من “وطنه الأم” أو ما سمّاه “فرنسا البعيدة”، وهو ما يؤكّد أنّ الكثير من “الأقدام السوداء” لم يتجرّعوا إلى حدّ الساعة فكرة استقلال الجزائر رغم مرور 60 سنة كاملة عليه، بل إنهم يتوهّمون أنّ الجزائريين أنفسهم يحنّون -مثلهم- إلى عهد “الجزائر الفرنسية”؛ إذ قال هذا النائبُ لصحفي فرنسيّ ذكّره بأنّ الجزائر أضحت بلدا مستقلا: “اذهبوا إلى الجزائر، إلى الجبل، وستجدون الكثير من الجزائريين يتساءلون: متى تعود فرنسا”؟! قبل أن ينكر تماما ارتكاب فرنسا أيّ جرائم ضدّ الإنسانية بالجزائر، وكأنّ مجازر 8 ماي 1945 مثلًا، والتفجيرات النووية، وضرب سكان الأغواط بالأسلحة الكيميائية، وهدم 8 آلاف قرية على رؤوس سكانها، وقتل أزيد من 5 ملايين جزائري خلال 132 سنة من الاستعمار، والتعذيب الوحشيّ الممنهج للجزائريين… كل ذلك وغيره من الانتهاكات والمجازر المروِّعة، كان مجرّد لعب أطفال.
وانطلاقا مما سبق، يمكن القول إن تعيين هذا النائب المنتمي إلى حزب مارين لوبان اليميني المتطرّف، نائبًا لرئيس مجموعة الصداقة الفرنسية- الجزائرية بالجمعية الوطنية، هو في الواقع دلالة واضحة على مدى استخفاف فرنسا بما تسمّيه “ملفّ الذاكرة” وهي -بالمناسبة- تسميةٌ ملفّقة، محايِدة، باردة، تهدف إلى تحجيم جرائمها الاستعمارية، والتهوين من شأنها، وتفادي تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية.
صحيحٌ أنّ البرلمان الفرنسي لا يمثّل الموقف الرسمي بالضرورة باعتباره يشمل أحزاب المعارضة أيضا، ومنها حزب مارين لوبان اليميني المتطرّف الذي ينتمي إليه النائب غونزاليس، لكنّ هذا النائب في الواقع يجسّد التفكيرَ الفرنسي المستتر الذي لا يعبّر عن نفسه جهرةً لاعتبارات ومصالح سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها… بمعنى أنّ الكثير من المسؤولين يفكّرون مثل غونزاليس وينظرون إلى الجزائر نظرة فوقية استعلائية استعمارية، وعلى أنها فردوسٌ مفقود لفرنسا، ولكنهم لا يستطيعون النطق بذلك كما يفعل غونزاليس، النائبُ المعارض المتحرِّر من قيود السلطة واعتباراتها ومجاملاتها… وإن كان إصرارُ المسؤولين الفرنسيين، في مختلف المواقع، ومنذ عقود، على رفض الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية والاعتذار عنها، كما فعلت دولٌ أخرى مع مستعمراتها السابقة، هو نوعٌ من التماهي مع فكر غونزاليس، وتعبيرٌ غير مباشر عنه.
أخيرا نقول لغونزاليس: الجزائر تحرّرت في 1962 بفضل تضحيات شهدائها ومجاهديها وشعبها طيلة 132 سنة من الكفاح شبه المتواصل، وإذا كنتَ ترى فيها “فرنسا البعيدة” فهذا شأنُك وحدك، أما إذا جئت إلى الجزائر فلن تجد من يسألك “متى تعود فرنسا؟” باستثناء أقليةٍ من العملاء سليلَيْ 16534 جزائريّ صوّتوا بـ”لا” في استفتاء استقلال الجزائر، في 1 جويلية 1962، أي بنسبة 0.28 بالمائة فقط من الشعب.. وليمُت كلّ الاستعماريين الجدد بغيظِهم.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.