فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء أعلام ورجالات وعوائل

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3383.46
إعلانات


سي بومدين.. الراحل الحي في الذاكرة الشعبية ثقافة 27 ديسمبر 2022 (منذ 21 ساعة) محمد. ن

تحل اليوم الذكرى الـ44 لرحيل رئيس الجمهورية الأسبق، هواري بومدين، الذي غادرنا بتاريخ 27 ديسمبر 1978. ويعتبر الرئيس هواري بومدين ثاني رئيس للجزائر المستقلة بعد الراحل أحمد بن بلة، حيث انتقلت معه الجزائر من دولة حديثة الاستقلال تصارع من أجل البقاء إلى دولة فاعلة إقليميا ودوليا، كما استطاع "الموسطاش" وضع قواعد لدولة فتية خرجت للتو من نير الاستعمار وجعلها في مصاف الدول التي يحسب لها ألف حساب.

شخصيته سحرت وألهمت الجزائريين بكاريزما ثورية وسياسية وقومية صارمة، لا مكان فيها لخيانة الوطن أو للفساد، ما جعل اسمه اليوم راسخا في أذهان الجزائريين، وتحيي الجزائر أيضا ذكرى رحيله كل سنة بتنظيم ندوات وجلسات استذكارية لمسار هذه الشخصية القوية الحافل بالإنجازات.

هواري بومدين.. على خطى ماسينيسا والأمير عبد القادر

إذا كان من كاتب استطاع أن يقدم وصفا دقيقا وصائبا لشخصية الرئيس الراحل هواري بومدين، فهو الروائي المرحوم الطاهر جاووت الذي اعتبره من بناة الدولة مثله مثل ماسينيسا والأمير عبد القادر.

ولد محمد بوخروبة في دوار بني عدي، مقابل جبل هوارة على بعد بضعة كيلومترات غرب مدينة ڤالمة يوم 23 أوت 1932. هو ابن فلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة ماديا. التحق الطفل بوخروبة بالمدرسة القرآنية في القرية التي ولد فيها وكان عمره آنذاك 4 سنوات. أتم حفظ القرآن الكريم وهو دون سن العاشرة، وحين جرت أحداث 8 ماي 1945 اكتسب محمد بوخروبة وعيا وطنيا مثله مثل كل أبناء جيله، وسوف يصرح لاحقا للصحفي الفرنسي بول بالطا: "في ذلك اليوم، كبرت قبل الأوان. لم أعد مراهقا، بل رجلا. لقد انقلب العالم برمته خلال ذلك اليوم، حتى أجدادنا تحركوا في قبورهم".

حين علم أن السلطات الاستعمارية سوف ترغمه على التجنيد الإجباري، توجه بوخروبة في عام 1951 مع بعض رفاقه (محمد الصالح شيروف، محمد لخضر مقدم ومحمد العربي مومني) برا إلى القاهرة، عبر تونس وليبيا، حيث التحق بالدراسة بجامعة الأزهر سنة بعد الإطاحة بالملكية في مصر.

خلال هذه الفترة الحاسمة من تاريخ العالم العربي، التي امتازت بصعود الفكر القومي المناهض للاستعمار، تأثر بومدين بجو الإحباط العام الذي عاشه العالم العربي الإسلامي عقب الهزيمة في حرب فلسطين (1948- 1949)، ثم تفاعل بحماس كبير مع الجو الوطني الذي عرفته مصر في مطلع الخمسينيات، إثر تصاعد عمليات النضال الوطني ضد الوجود البريطاني.

وإلى جانب النقاشات السياسية اهتم بومدبن بالنقاشات الفكرية، فكان رفقة المفكر الراحل مولود قاسم نايت بلقاسم من بين أهم الطلبة الجزائريين الذين كانوا يترددون على "دار الطلبة العرب"، رغم الظروف القاسية التي كانوا يمرون بها بسبب نقص الموارد المالية.

 

على متن الباخرة "دينا".. الطريق نحو القمة

 

من القاهرة، التحق بومدين بجيش التحرير الوطني وتلقى تدريبا عسكريا استعدادا للالتحاق بجيش التحرير، فكلفه المرحوم أحمد بن بلة بنقل كمية من الأسلحة لجيش التحرير بواسطة "الباخرة "دينا" وتمت العملية بنجاح في فيفري 1955، تاريخ لقائه بالشهيد العربي بن مهيدي الذي اتخذ قرار تعيين بومدين مساعدا للمرحوم عبد الحفيظ بوصوف، بالنظر إلى رسالة التوصية التي أمضاها بن بلة، التي كانت بحوزته، وفيها إشادة بشخصه وبحسه الوطني الكبير.

عمل بومدين إثر هذا التعيين لفترة وجيزة كمراقب على مستوى المنطقة الرابعة (بالمنطقة الخامسة) فاختار لنفسه اسما ثوريا هو "هواري بومدين"، بالرجوع إلى سيدي الهواري المغراوي وأبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري والمعروف باسم سيدي بومدين أو أبو مدين التلمساني. لقد انغمس في الثورة من القاعدة واقترب من الحس الثوري لدى الفئات الشعبية التي ينتمي إليها، وهو ما سوف يعطيه تلك القدرة الخارقة على مخاطبة الجماهير واتخاذ القرارات في صالحها.

ذكاء.. جدية في العمل وصرامة في اتخاذ القرارات

 

حين غادر بن مهيدي الولاية الخامسة للالتحاق بلجنة التنسيق والتنفيذ، إثر قرارات مؤتمر الصومام، تم تعيين عبد الحفيظ بوصوف على رأس الولاية الخامسة، بينما أصبح هواري بومدين أحد أهم مساعديه على مستوى الولاية. وفي سنة 1957، التحق بوصوف بدوره بلجنة التنسيق والتنفيذ، فقرر تعيين بومدين في منصب مسؤول الولاية الخامسة برتبة عقيد، فكان أصغر مسؤول عسكري مكلف بتسيير ولاية.

أبدى بومدين، حسب كثير من المؤرخين والباحثين، كثيرا من الذكاء والجدية في العمل والصرامة في اتخاذ القرارات، مع إظهار حسن إنساني رفيع عند الحاجة. كما كان صاحب قدرة فائقة على التسيير، الأمر الذي لفت انتباه المسؤولين إليه، حيث تمكن من إحداث تنظيم عسكري فعال على مستوى الولاية الخامسة. واستمر في تطوير جهاز الاستعلامات واللوجيستيك فحقق انتصارات عديدة على الجيش الفرنسي. وصرح لاحقا لكل من "آنيا فرانكو وجان بيار سيريني" اللذين ألفا كتاب "جزائري اسمه بومدين" (منشورات جوليار بباريس سنة 1974): "نحن أبناء الثورة ولسنا أتباع القادة التاريخيين. لقد أوجدت الثورة إطاراتها القادرين على التسيير".

وفي أفريل 1958، منح قادة الثورة هواري بومدين مسؤولية الإشراف على لجنة التنظيم العسكري للجهة الغربية (بينما تكفل العقيد محمدي سعيد بالكوم الشرقي)، وقد أنجز مهمته بنجاح وحظي بمزيد من الاعتراف بالكفاءة من قبل قادة الثورة. ويتحدث كثير من المؤرخين، من بينهم محمد حربي، عن نجاح كبير حققه بومدين في مهمة تعتبر من أهم مهام الثورة في تلك الفترة التي عرفت عودة الجنرال ديغول إلى الحكم في فرنسا وإنشاء الجمهورية الخامسة وإعداد خطة عسكرية رهيبة لضرب الثورة ومحاولة القضاء عليها.

وبحكم اعتباره قائدا للولاية الخامسة، حضر بومدين اجتماع العقداء الشهير، الرامي لإيجاد حلول للخلافات التي برزت بين الباءات الثلاثة (بوصوف، بلقاسم كريم وبن طوبال) وباقي أعضاء الحكومة المؤقتة بشأن الشروع في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية. جرى الاجتماع مع نهاية أفريل 1959 بتونس، مباشرة عقب استقالة الدكتور لمين دباغين من منصبه كوزير للخارجية في الحكومة المؤقتة، بسبب ما اعتبره "تدخلا في شؤونه الدبلوماسية". وذكر المرحوم علي كافي في مذكراته أن بومدين كان أول من أخذ الكلمة في هذا الاجتماع الذي دام أربعة وتسعين يوما، حيث قال: "سوف نتكفل بهذه المهمة وسنتحمل المسؤولية كاملة". وحسب المؤرخين دائما، فإن هواري بومدين عرف كيف ينأى عن الصراعات بين قادة الثورة وبالخصوص بين الباءات الثلاثة، ومن هنا يضيف هؤلاء المؤرخون جاءت فكرة بومدين الرامية إلى إنشاء قيادة الأركان العامة ولجنة وزارة للحرب على مستوى الحكومة المؤقتة، فاقترحها على بلقاسم كريم.

وبالفعل تم إنشاء القيادة وأسندت مسؤوليتها للعقيد هواري بومدين يوم 16 جانفي 1960، بمساعدة كل من الرائد عز الدين، قايد أحمد وعلي منجلي.

لعب بومدين، بفضل قدرته على التسيير من مكتبه "بغارديماو"، حيث كان يعلق صورة للأمير عبد القادر، دورا لا يمكن نكرانه في تسيير شؤون الثورة، فأحدث تنظيما فعالا على مستوى جيش التحرير الوطني، وتمكن لاحقا من إحداث تحالفات فعالة مع بعض من قادة الثورة بالأخص أحمد بن بلة، بداية من سنة 1961، كما تمكن من تجاوز الخلافات التي ظهرت بينه وبين رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بن خدة الذي خلف فرحات عباس، وهو ما مكنه من أن يتحول إلى شخصية تاريخية لمن أراد أن ينظر إليه نظرة موضوعية بعيدا عن الحسابات السياسية والأيديولوجية الضيقة التي تعيق النظرة الموضوعية وتخلق في المقابل نظرة متحيزة ذاتية وغير صائبة.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة