أنصِفوا عقول الجزائر! ل/ رشيد ولد بوسيافة 2022/12/21
برزت خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة غريبة لم تشهدها الجزائر من قبل، تتمثّل في الدّكاترة البّطالين في جميع التخصصات العلمية، ويجمع الملاحظون أن السبب المباشر يعود إلى تطبيق نظام “الألمدي” الذي دفع بأعداد هائلة من الخرّيجين في مختلف التخصصات والميادين العلمية من العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى الحقوق والاقتصاد والميادين التكنولوجية.
وهي ظاهرة استدعت التّفكير في الحلول الممكنة للاستفادة من منتوج الجامعة وضمان مستقبل محترم يتلاءم مع المستوى العلمي الذي بلغه الخرّيجون، حتى لا يجدوا أنفسهم عرضة للبطالة بعد عقود من الدّراسة أو يضطروا للعمل في مهن لا تتطلب مستوى دراسيّا، وعلى رأس هذه الحلول ما يجري في الجامعات هذه الأيام من خلال تشجيع الطلبة على التوجه نحو المقاولاتية بإطلاق مؤسسات ناشئة.
لكن هناك فئة قليلة جدا، هي أولئك الذين تمكّنوا من مواصلة الدراسة والبحث العلمي، وحصلوا على شهادة الدكتوراه، وتستعين بهم مؤسسات التّعليم العالي لتغطية النّقص الكبير في التّأطير، فيساهمون في التّدريس وحراسة الامتحانات وباقي الأنشطة البيداغوجية والعلمية، لكن دون أن يستفيدوا من راتب شهري، عكس ما هو معمول به في باقي مراحل التعليم، إذ يستفيد الأستاذ المؤقت أو المتعاقد في قطاع التربية من راتب شهري ومنحة المردودية والضّمان الاجتماعي وغيرها من الحقوق، بينما لا يستفيد الأستاذة المؤقتون بالجامعات سوى من مبلغ زهيد بعد حساب الساعات التي درّسها خلال العام وفي النهاية يُصبُّ له المبلغ دفعة واحدة، وهو مبلغ لا يكاد يصل راتب شهر واحد!
ما يحدث هو إساءة حقيقية لعقول الجزائر، وتكفي دراسة ميدانية لعيّنة من طلبة الدّكتوراه للوقوف على حالة التّذمر والشّعور بالضّياع، بسبب السّياسات الخاطئة التي أدّت إلى تخريج آلاف الدكاترة دونما حاجة إليهم. لذلك فإنّ المطلوب من السّلطات العليا سرعة التّحرك لوضع حد لهذه الظّاهرة، إما بتمكينهم من مناصب دائمة باعتبارهم أساتذة جامعيين ما داموا قد اكتسبوا الخبرة الكافية، أو بتفعيل صيغة التّعاقد كما هو معمولٌ به في المراحل الدنيا من التعليم.
إنّ أيّ قرار لصالح هذه الفئة التي لا يتجاوز عدد أفرادها بضعة آلاف سيعيد تعديل الصُّورة السّلبية التي ترسّخت عن البحث العلمي في الجزائر، ما أدى إلى اهتزاز سلّم القيم في المجتمع، إلى درجة أصبح المتفوّق في الدّراسة مثالا للفشل في الحياة، بينما المتسرّب من المدرسة الذي يمتهن “البزنس” أصبح في نظر المجتمع مثالا للنّجاح في الحياة بغضِّ النظر عن الطريقة التي جمع بها الأموال.
لا يوجد مجتمعٌ حقّق النّمو والازدهار الاقتصادي ما لم يهتم بالتعليم، وأول خطوة هي الاهتمام بالعاملين في هذا القطاع، ويظهر ذلك جليا في سلّم الأجور، بعكس ما يحدث عندنا، وإلا ما معنى أن يتلقّى عاملٌ بسيط أو حارس يعمل في مؤسسة اقتصادية عمومية راتبا شهريا يضاهي راتب بروفيسور في الجامعة؟!
عندما تتغيّر وضعية المعلّم والأستاذ إلى الأحسن ستتغيّر نظرة المجتمع إليه، وسينعكس ذلك على مستوى التّعليم، أمّا إذا بقي الحال على ما هو عليه، فسيبقى هذا القطاع قبلة لأولئك الذين يفشلون في باقي المهن والوظائف!
تقييم:
1
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.