لماذا أنا متفائلٌ بالجزائر؟ د. عمر هارون 2022/11/26
إن بناء اقتصاد قوي متماسك قادر على مواجهة مختلف الصعوبات والتحديات المحلية والعالمية ليست بالقضية الهيّنة في ظل الظروف والمتغيرات التي يعرفها العالم، فظهور أي بوادر لقوى اقتصادية تتحكم في قرارها وتستطيع التعامل مع مختلف الظروف التي قد تؤثر بالسلب على اقتصادها يشكل تحدي للاقتصاديات العالمية.
إن الاستثناءات في هذا المجال قليلة، ولعل أهمها لحظات الفراغ التي قد يعيشها العالم في مرحلة من المراحل، والعالم منذ 2019 يعيش حالة من الفراغ النسبي بسبب نوازل لم تكن متوقعة ولا متحكما فيها، على غرار كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، ومهما تحدَّث أصحاب نظرية المؤامرة في الحدثين يبقى الجزء غير متحكم فيه أكبر بكثير مما تم التحكم فيه عالميا، وهو ما يجعل هذه الفترة الأنسب لتستطيع دولة كالجزائر بناء نفسها وتطوير قدراتها الاقتصادية من خلال التعويل بالدرجة الأولى على ما تمتلكه من مقدرات طبيعية بشرية مادية وعلاقتها مع قوى تتعامل معها وفق مبدأ رابح- رابح.
الحركية والرؤية
المتابع لحركية الاقتصاد الوطني سينتبه لا شك إلى مختلف الورشات الكبرى التي أطلقت في الاقتصاد الوطني منذ بداية 2020 والتي حرّكت مجموعة من الملفات التي لم تتحرك منذ سنوات خلت على غرار منجم غار جبيلات، ومناجم الفوسفات في تبسة بإجمالي استثمارات قدِّرت بنحو 10 مليار دولار، 40 مليار دولار خصصتها سوناطراك لتطوير البنى التحتية الخاصة بها، وميزانية لسنة 2022 هي الأكبر في تاريخ الجزائر بما يقارب 100 مليار دولار، خاصة مع توقع عائدات من المحروقات قد تصل بحول الله إلى 55 مليار دولار وصادرات خارج المحروقات قد تلامس 6 إلى 7 مليار دولار، يضاف إليها مشاريع هامة على غرار نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري إلى أوروبا في ظل أزمة طاقوية خانقة تعيشها أوروبا.
الدخول في تكتل كالبريكس سيجعل الجزائر تدخل ضمن أهم الاقتصاديات الناشئة في العالم، مما سيسمح لها بتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا وإيجاد أسواق جديدة للسلع الجزائرية، يضاف إلى ذلك إمكانية جلب استثمارات مباشرة من هذه الدول والبحث عن سبل لتحقيق تكامل اقتصادي بينها وبين البرازيل روسيا الصين جنوب إفريقيا والهند، وهو تجمُّع سكاني يعادل نحو 40 بالمئة من سكان العالم، رقمٌ سيمكّن الجزائر من جعل دول البريكس شريكا قادرا على تغطية كل حاجياتها وعلى استقبال كل ما يمكننا تصديره.
ويضاف إلى هذا كله عمل دؤوب لتطوير مجموعة من الشُّعب الإستراتيجية على غرار زراعة الحبوب من خلال مجموعة من الإجراءات أهمها رفع أسعار استقبال الحبوب من الفلاحين بـ20 إلى 30 بالمئة وإجبارية حصول الدولة على المحاصيل المنتجة بالإضافة لتخفيض أسعار البذور والأسمدة في حدود 50 بالمئة وفتح المجال لاستيراد العتاد الفلاحي لأقل من 5 سنوات، دون إغفال الدعم الكبير المقدَّم للشباب في مجال إنشاء مؤسساته من خلال إقرار قاعدة في مشروع قانون المالية 2023 تسمح للمؤسسات بدعم الابتكار الداخلي والمؤسسات الحاصلة على وسم شركة ناشئة أو حاضنة أعمال بـ30 بالمئة من الأرباح أو الدخول المحصلة بشرط أن لا تتجاوز مائتي مليون دينار جزائري.
الجزائر والبريكس
المتابِع لوضع الجزائر اليوم يجد أنها تتعامل مع الملف الدولي بكثير من الاحترافية والرقي الدبلوماسي، وهو ما انعكس من خلال النتائج المحققة إلى حد الآن والتي كان البعض يعتبرها عسيرة التحقيق على غرار جمع الفصائل الفلسطينية في الجزائر أو انعقاد القمة العربية فيها، واقعٌ سبقه أحداث أخرى نذكر منه توتر العلاقات الجزائرية الاسبانية، وكيف استطاعت الجزائر فرض منطقها على اسبانيا، مع تحويل الموقف الأوروبي ليتحول من النقيض إلى النقيض، وفي زيارة رئيس المجلس الأوروبي للجزائر وقمة الطاقة الجزائرية الأوروبية خير دليل.
إن الواقع الذي يعيشه العالم اليوم يحتم على الدول العمل كتكتلات عوض العمل منفردة، وهو ما دأبت عليه الجزائر من خلال العمل مع حلفائها التاريخيين الذين يقدّرون قيمتها وقوتها، لقد ظهرت أهمية هذه التحالفات في الأوقات الصعبة خاصة العشرية السوداء وأزمة الكوفيد 19 والأزمة الروسية الأوكرانية، ومنه فانضمام الجزائر إلى مجموعة “البريكس” سيجعل الجزائر جزء من قوى إستراتيجية تشكلت وتعمل للذود على مصالحها وحماية أمنها على الأصعدة الطاقوية والصحية والاقتصادية وغيرها من الأبعاد التي أصبحت مهددة في الوقت الحالي نظرا لظروف أصبح التنبؤ بها صعب ولا حل لها إلا تكتلات كالبريكس.
ماذا ستستفيد البريكس من الجزائر؟
تواجد الجزائر كبوابة لإفريقيا واعتبارها جزءا لا يمكن الاستغناء عنه من طريق الحرير الجديدة مع الإمكانات البشرية والطبيعية وحتى الجغرافيا جعلت دول البريكس تعتبر أن الجزائر حلقة ضرورية في التكتل القائم، خاصة وأن الجزائر حلقة ربط مهمة بين القارة العجوز وإفريقيا، وذلك أصبح واقعا من خلال موانئ الجزائر وطرقها الرابطة بين الشمال والجنوب والسكة الحديدة أيضا يضاف لها طريق الجزائر موريتانيا الذي يمتد على 775 كلم يضاف له كابل الألياف البصرية الذي يمتد إلى العمق الإفريقي، كما أن المواقف الثابتة للجزائر وسمعتها وثباتها على مواقفها يجعلها شريكا موثوقا لدول البريكس.
كيف نستفيد؟
إن الدخول في تكتل كالبريكس سيجعل الجزائر تدخل ضمن أهم الاقتصاديات الناشئة في العالم، مما سيسمح لها بتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا وإيجاد أسواق جديدة للسلع الجزائرية، يضاف إلى ذلك إمكانية جلب استثمارات مباشرة من هذه الدول والبحث عن سبل لتحقيق تكامل اقتصادي بينها وبين البرازيل روسيا الصين جنوب إفريقيا والهند، وهو تجمُّع سكاني يعادل نحو 40 بالمئة من سكان العالم، رقمٌ سيمكّن الجزائر من جعل دول البريكس شريكا قادرا على تغطية كل حاجياتها وعلى استقبال كل ما يمكننا تصديره، كما أن الجزائر في إطار البريكس قادرة على الدخول في النظام المالي العالمي الجديد الذي تشكل بفعل الضغوط الغربية المتزايدة على مختلف الدول.
إن ترحيب الصين وروسيا بالملف الجزائر في البريكس بحدِّ ذاته نجاحٌ كبير للدبلوماسية الجزائر وتأكيد على عودة الجزائر إلى مكانتها الطبيعية عالميا، وهو ما يدلل على أننا في الطريق الصحيح بإذن الله.
ما الذي قد تخسره الجزائر؟
المراهنون على أن دخول الجزائر الى البريكس سيؤدي بها إلى خسارة باقي حلفائها خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي واهمٌ، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن الجزائر ما بعد الأزمة الروسية الأوكرانية ستموِّن أوروبا مع نهاية الـ 2023 بنحو 100 مليار متر مكعب من الغاز، منها نحو 30 مليار متر مكعب من نيجيريا وهو ما يعادل 66 بالمئة من الصادرات الروسية من الغاز إلى أوروبا خاصة بعد أن أصبحت روسيا قاب قوسين أو أدنى من تحويل غازها إلى الصين والهند.
أمريكا بدورها تراهن على الجزائر في إفريقيا شريكا أمنيا موثوقا وشريكا اقتصاديا قويا.. رهان جعل العلاقات الجزائرية الأمريكية تشهد ازدهارا قويا بزيارات متكررة لوزير الخارجية الأمريكي وطاقمه الوزاري، ولا أستبعد بتاتا عودة الجزائر إلى شغل حيِّز مهمٍّ في المفاوضات بين العالم الغربي وإيران نظرا لما تتمتع به الجزائر من قوة وحظوة لدى جميع الأطراف، وما حادثة إنقاذ الدبلوماسية الجزائرية للرهائن الأمريكان في 1979 بالبعيدة.
لماذا التفاؤل؟
إن الذين يزرعون اليأس في نفوس الجزائريين ويحاولون تحطيم كل شيء جميل ليسوا إلا لصوصا يحاولون سرقة الأمل من أفئدتنا، رغم أن ديننا الحنيف يأمرنا دوما بأن نأمل خيرا، فالنصر ليس إلا صبر ساعة، والتاريخ علَّمنا أن صبر أجدادنا وجَلَدهم أمام الظروف الصعبة التي خلقها المستدمر جلب النصر في النهاية، ولنا في غزوة الخندق دليلٌ وبرهان على رفع المعنويات؛ فالمسلمون محاصرون والصخرة لا تتكسر لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشِّر المسلمين بفتح فارس وروما، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. صحيحٌ أن تصحيح الأمور يتطلب بعض الوقت والكثيرَ من الجهد، لكن الأكيد أن ما بذل إلى حد الآن جعل الجزائرَ تعود إلى السكة وتقف شامخة كما عهدناها، وها هو القطار انطلق ونسأل الله التوفيق لبلدنا الحبيب.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.