العنصرية هي استعلاءُ قومٍ على غيرهم ممن خلق اللهُ –عزّ وجل- هي أخبثُ داءٍ أصاب الإنسانية عبر تاريخها المديد. وعندما ندرس تاريخ البشرية نجد أنّ هذا الداءَ أكثرُ استفحالا في أوربا الغربية وامتداداتها شرقا وغربا؛ أي البلدان التي احتلها الأوربيون الذين بلغت بهم هذه العنصرية إلى استئصالِ أمم أمثالهم وإفنائِها.
لقد اعتبر المؤرّخُ البريطاني أرنولد توينبي (ت 1975) الذي يسمّيه بعضُ المؤرّخين “ابن خلدون القرن العشرين”، اعتبر هذا المؤرّخُ -صادقا- أنّ أدْوَأ دواءٍ لهذا الداء هو الإسلام الذي يربّي أتباعه على أنّ الناس جميعا أبناءُ آدم وحوّاء، وأنه لا فضلَ لعرقٍ على عرق، لأنهم جميعا من تراب.
وحتى هذه العنصرية الأوربية ليست سواء، فبعضها أسوأ من بعض، وبعضها أخزى من بعض، ولكنّ أكثرها سوءا، وأبشعها خزيا، وأخسّها معدنا هي العنصريةُ الفرنسية.
وإذا كان الناسُ سيتعبون في تخيّل هذه العنصرية، ولا يجدون مثالا يقيسونها عليه، فإننا نحن الجزائريين لا نحتاج إلى تخيّل هذه العنصرية، لأننا ذقنا مرارتها قرنا واثنتين وثلاثين سنة، فلمسنا خشونتها بأيدينا، ورأينا بشاعتها بأعيننا، وأزكمت أنوفَنا برائحتها القذرة.. وقد نافسنا أيوبَ –عليه السلام- في صبرنا على هذه العنصرية.. وكلّ ما علمناه إنما هو مما كتبه هؤلاء الفرنسيون، لا اعترافا منهم بذنب، ولا استغفارا منهم، ولكن افتخارا بما فعلوه، ورفعا لخسيستهم، وتمجُّدا به.
وها أنذا أقصّ على القارئ الكريم إحدى قصص العنصرية الفرنسية التي اعتبرها البرلمانُ الفرنسي في قانون فبراير 2005 من مِنَن فرنسا وأمجادها علينا!
كتب جان دانيال في كتابه الذي سمّاه “الزمن الباقي” المطبوع في 1973، وقد وُلد في البليدة وعاش فيها إلى أن عاد إلى بلده مع قومه الفرنسيين، كتب يقول إنّ ابن زميل له أصابته حمّى مقلِقة، وصادف ذلك يوم سبتٍ، حيث لا يعمل الأطباءُ الفرنسيون، ولم يكن يوجد في المدينة إلا طبيبٌ عربي واحد هو الدكتور مصطفاي، فاضطرّ والدَا الطفل إلى أخذه إلى ذلك الطبيب العربي بعد استنكاف.. وفحص الطبيبُ الطفلَ وكتب له الدواء اللازم، ولكن والدَ الطفل لم يذهب إلى الصيدلية لشراء الدواء لابنه، وانتظر ثمان وأربعين ساعة حتى عاد أحدُ الأطباء الفرنسيين فأكّد له سلامة الدواء.. والأعجب أنّ والدة الطفل لم تأخذها شفقةُ الأم على وليدها، لأنها “كانت تقسم أن طبيبا مسلما عاجزٌ ولا شكّ عن علاج ابنها”. (أنظر ملخّص القصة في كتاب: المؤتمر الإسلامي. محمد الميلي. ص95). أيُّ عنصريةٍ هذه؟ وهل رأى الناسُ أو سمعوا مثلها رغم أن الطبيبَ متخرّجٌ في كلية فرنسية، ودرّسه أساتذة فرنسيون؟ أدخِلوا هذه القصّة في كتاب “غينيس”، وما هي بالوحيدة عند هذا الرهط من الخلائق المسمَّى “الفرنسيون” الذين أبتُلينا بهم، وما يزال بعضُنا يحبّهم!
عنصريةٌ فرنسية
محمد الهادي الحسني
2022/11/13
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.