مع إشراقة الشمائل المحمدية، وإضاءة الفصائل الفلسطينية
تبارك شهر ربيع الأول من هذه السنة في الجزائر، الذي أشرقت أنوار شمائله المحمدية على القلوب، فبددت الكروب، وعبّدت الدروب، وغرست في النفوس وفاء المحبين للمحبوب. وتبارك شهر ربيع الأول، الذي يصادف مولد نبيه صلى الله عليه وسلم هذه السنة، بريق آمال الشعوب الإسلامية، في تجميع وتوحيد الفصائل الفلسطينية، بعد فترة من الصراع، ومرحلة من التيه والضياع، لاستعادة قيادة مركب الشِراع ولتحرير البقاع.
إنها بركات تترا، وطلائع بشرى، إذ تلوح آفاق الذكرى من أرض المليون شهيد، ولتتصل عرى الجهاد المجيد، بين نوفمبر العتيد، والكفاح الفلسطيني الخالد التليد.
هكذا تتجه أنظار كل الوطنيين المخلصين، وأنصار الحق المبين في أرجاء العالمين، إلى جزائر العلماء والمجاهدين، والشهداء والمصلحين، ليشهدوا منافع لهم في الدنيا وفي الدين.
فقد أحيا شعبنا الجزائري المسلم، ذكرى المولد النبوي الشريف، في كنف الذكر والفكر، بعيدا عن التشنج والمكر، نابذا أنواع البدع والتعصب، ومعرضا عن كل ما كان يخالط الذكرى من مفرقعات واضطرابات وتذبذب.
لقد قدم علماء الجزائر لشعبهم الأبي الصورة المثلى لمحمد النبي، بإبراز شمائله الخلقية، وقيمه الإنسانية، ومثاليته القيادية، ليكون المعلم الأول، للناس كافة في جميع الميادين، متحررين من كل أنواع الإنسلاب المشين، ومبشرين بروح الإسلام كما دعا إليه أوائل الصحابة المخلصين، ومن تبعهم بإحسان من العلماء العاملين المصلحين.
في هذا الجو المفعم بالحب والوفاء، وبالصدق والإخاء، في جزائر العلماء والشهداء، يحل علينا إخوة أعزاء، هم رموز المقاومة والإباء، من إخواننا الفلسطينيين الشرفاء، من قوافل الفدائيين ذوي العزم والإباء، فمرحبا، ومرحى لمن نذروا أنفسهم للتحرير والخلاص من العدو الـمُغير، لاستعادة دورهم في معركة البناء والتعمير وتصحيح خطى المسير، وإعادة بعث النفير، كما رسمه الماهدون الأولون، من أحمد ياسين، وطلائع القدس، والمرابطين على أسوار المسجد الكبير.
إن التحدي بالغ الخطورة، ذلك أن نقطة التحول اليوم تبدأ من فاتحة السورة، وما فاتحة السورة إلاَّ كتائب المقاومة الذين يئسوا من سياسة التخدير والمساومة، وأيقنوا أن لا حل للقضية الفلسطينية، خارج الوحدة، والمداومة، والتعبئة الكاملة لمواجهة التحدي بالتصدي.
لقد وفّت الجزائر بعهدها، إذ مكنت من إيجاد كل الوسائل المادية والمعنوية لجمع الصفوف، وتسهيل الظروف، والنأي بالمقاومين عن مخاطر الحتوف.
بقي على المجاهدين الفلسطينيين أن يرتقوا بحركتهم، وجهادهم ومقاومتهم، إلى مستوى تطلعات أمتهم، والوفاء لشهدائهم، والعزم على تقريب ساعة انتصارهم.
وبعيدا عن التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي للمقاومة، فإن من حقنا كأشقاء لهم، إبداء النصح، بالإشارة والتنبيه، وأن يدركوا أن معاهدات مدريد وأوسلوا، قد نسخت وقد مسخت بدم، وأن أي اتفاق مع المحتل، خارج وحدة المقاومة كي يكتب له النجاح والدوام.
فقد علمنا التاريخ أن الصهاينة، كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم، وأنهم لا يؤمنون إلا بالقوة، وليس كالقوة في المقاومة وسيلة، والقوة الحقيقية تبدأ بوحدة الصف، والاجتماع على نبل الهدف.
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبنيه، وغيرك يهدم
لذا نريد من السلطة الفلسطينية أن تكون سلطة بحق، تستمد معالم قوتها وسلطتها، من فقه وسلطة شعبها، فعليها –إذن- أن تفك أي ارتباط، أو تنسيق مع العدو، لأن كل ذلك سراب، يقود إلى الخراب.
نحن نتوق إلى أن يغتنم الإخوة الفلسطينيون هذه الفرصة التاريخية التي تقدمها لهم الجزائر، وقد سبقتهم في تجربة التحرير ومقاومة الاستعمار المحتل، فيعيدوا النظر في مسيرتهم، ويتعالوا عن الخلافات الحزبية، والإيديولوجية، وأن لا يكون نصب أعينهم إلا فلسطين المكبلة، المقيدة، المحتلة، وكيف يمكن تخليصها مما هي فيه.
إن إخضاع التجربة الماضية للتفكير والتأمل، ضرورة ملحة، لاستخلاص المواعظ والعبر، فكثيرا ما كانت الأخطاء، ملهمة، ومعلّمة للحكماء والعقلاء.
إننا بالرغم من خطورة التحدي، وتعقيد المشاكل التي تواجه الفصائل الفلسطينية أمام تعبيد طريق جهادها، سوف نظل متفائلين بإمكانية الوصول إلى الهدف، خصوصا ونحن لا نشك في أن كل فلسطيني صادق المواطنة، ووفي للشهداء والمخلصين، تحدوه النية الصادقة في وجوب العمل على تقريب ساعة الخلاص، ولن يكون ذلك إلا بتوحيد الفصائل، والاستلهام من ذكرى رسول الشمائل، في التضحية والفداء، وتقدير المزيد من البذل والعطاء، والتنازل عن ألقاب ومكاسب ما يلوح به الأعداء.
فيا أيها المجاهدون الفلسطينيون !
اذكروا أنكم في رباط الشهداء، والمجاهدين، والعلماء، ولا يجوز لكم بأي حال من الأحوال أن تخرجوا من الجزائر، إلا وقد وحدتم صفوفكم، وجمعتم ألوفكم، ورفعتم إلى العلا أنوفكم.
لقد كان شعار الجزائريين في جهادهم: النصر أو الاستشهاد، ويجب أن يكون شعاركم أيضا: النصر أو الاستشهاد.
أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين