فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء التربية والتعليم

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3377.7
إعلانات


أفضل أساليب تربية الأبناء وتوجيههم

 

أفضل أساليب تربية الأبناء وتوجيههم

 

 

اختيار أساليب تربية الأبناء وتوجيههم، مسؤولية حتمية تقع على عاتق الوالدين، من المرحلة الجنينية إلى سن النضج، وهو أمرٌ يستدعيه الواجب الديني والأخلاقي والقانوني، وهي المسئولية الكبرى التي تعتبر فرض عين، وليس على وجه الندب والاستحباب، وحتى الحيوانات بمختلف أجناسها وأنواعها تضحي بنفسها من أجل توفير الرعاية والأمن لصغارها، فإذا بلغوا سن الاتكال على النفس دفعوهم إلى البراري ليطلبوا طعامهم بجهودهم، ويوفروا الأمن من الحيوانات الكاسرة بأنفسهم.

 

تربية الأبناء وتوجيههم تُلزم الاطلاع على الخصائص العقلية والنفسية لمراحل الطفولة والمراهقة والشباب، كيما تكون التربية مبنية على قواعد علمية وتربوية ونفسية، وليس على الحدس والارتجال والظن والتخمين، لأن الارتجال مظنة للإخفاق في الوصول إلى الأهداف المتوخاة، إذ إن الارتجال هو السلوك السلبي الذي يعتمده الكثير من الناس في تربية أبنائهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة، فيعاملون أبناءهم بالخشونة والغلظة والفظاظة والقسوة، فينشأ الأبناء غلاظ الطباع قساة القلوب عديمي الرحمة والرأفة حتى بالوالدين، وتنزع نفوسهم إلى العنف والمشاكسة والعدوان والتمرد على كل قيمة لها اعتبار ديني أو أخلاقي أو قانوني، لاسيما إن كانوا يحملون في نفوسهم استعدادا فطريا للعنف والعدوان، فالمعاملة القاسية تغذي ذلك الاستعداد وتنميه نحو الأسوأ، أو يكون الأبناء ضعاف العقول والشخصية عديمي الإرادة والعزم والحزم، إن عوملوا بالقسوة والغلظة لأن القسوة تميت في نفوسهم عوامل القوة الطبيعية المركوزة في عقولهم سليقيًّا، ويحدث هذا السلوك السلبي لدى الفئات ممن يحملون استعداد الضعف والهوان والاستكانة.

 

وفي المقابل النقيض نجد المعاملة المبالغة في اللطف واللين والدلال الزائد عن الحد، على نحو ما نشاهده منتشرا عند أبناء الجيل اليوم، يميّع شخصية الأبناء ويبلّد عقولهم ويقتل روح العزيمة والمبادرة في نفوسهم، فينشأون ضعاف العقول والشخصية عديمي الهمّة والمروءة، ولذلك كان الاعتدال في التربية والتوجيه هو الأسلوب المناسب في التربية والتوجيه، لأنه يخلق التوازن بين العواطف والإحساسات والمشاعر والأفكار في نفوس الأطفال والأبناء، والتوازن بين القوى والأضداد والأفكار والأمثال هو الذي تقوم عليه سنن الحياة وقوانينها.

 

ونحن كمجتمع إسلامي نأخذ قوانين حياتنا ولاسيما في أساليب التربية والتوجيه والأخلاق، من التعاليم الإسلامية بهديها ورشدها، وهي التعاليم التي تدعو إلى الاعتدال في تربية الأبناء وتوجيههم الوجهة الصحيحة، نستعمل الخشونة غير المبرحة حينا واللين غير المبتذل حينا آخر، كيما نساوق بين نوازع النفس الإنسانية، التي ركِّبت غريزيا كي تستجيب للغلظة تارة حين تنزع بها الفطرة إلى فعل الشر، وإلى الليونة تارة أخرى حينما تهدأ غرائز الشر وتكمن في النفس إلى حين.

 

ومن هذه الوجهة الشرعية، فإن تربية الأولاد وتوجيههم نحو طرق الاستقامة والرشد والهداية، واجبٌ ديني وأخلاقي وقانوني، لقوله (ص (:(مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)، حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن، والمراد من الحديث النبوي الشريف أن للأولاد حقوق التربية والتوجيه من أولياء أمورهم كالآباء والأمهات أو من يقوم مقامهم كالإخوة والأعمام والأخوال والكفلاء والأوصياء، يقومون بتربيتهم تربية صالحة رشيدة قويمة، وتوجيههم توجيها سليما يحفظهم من الوقوع في الخطأ والزيغ والانحراف، ويأتي في مقدمة هذه التربية، التربية الدينية التي يقوم عليها أمر الدنيا والآخرة، والمحور الذي ترتكز عليه التربية الدينية والأخلاقية والعلائقية بين المؤمنين وبين الله، وبين المؤمنين فيما بينهم، هو محور الصلاة التي يقوم عليها عمود الدين والآداب العامة، لقوله تعالى: “إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ”، (العنكبوت:45).

 

وفق ما دعت إليه السنة المطهرة، من وجوب أمر الأبناء بتأدية الصلاة وهم أبناء سبع سنين، فإن بلغوا عشرا ولم يلتزموا بأدائها لزم تأديبُهم تأديبا خشنا، كالضرب غير المبرح الذي لا يترك أثرا على الجسد، أو تأديبا معنويا بمنعه من اللعب مع إخوته أو بحجزه في المنزل ومنعه من اللعب مع أقرانه من أبناء حيّه، هذا إن كان الولد سويا سليما معافى من الأمراض العقلية والنفسية، كالجنون والتوحّد والبَلَهِ والعَتَهِ (ضعف العقل)، وهم المصابون بإعاقة عقلية تمنع تطور نمو الدماغ تطورا طبيعيا كي يؤدي وظائفه السلوكية، فهؤلاء الفئات من الأطفال يُعدّون غير أسوياء في الطب النفسي، ولذلك يتعيّن على الوالدين أخذُهم إلى المراكز الخاصة بإعادة تربيتهم، عقليا ونفسيا من قبل مدربين متخصصين في إعادة التأهيل، ويدخل في حكم الأمر بالصلاة في هذه السنّ المبكّرة التي حددتها السنة النبوية، وجوب حثهم على التمسك بأعمال المعروف والخير والفضائل والأخلاق الحميدة، كحب الناس واحترامهم وإظهار الصدق في معاملاتهم والتعامل معهم، لأن ذلك كله محمودٌ ومحبّذ فعله من الوجهة الدينية والأخلاقية والقانونية.

 

وهذه السن المبكرة في حياة الأبناء، هي الحجر الأساس في تنمية عقولهم وعواطفهم واحساساتهم وأجسامهم، وهي لذلك تسمَّى في علم النفس مرحلة الاكتساب، وهي المرحلة التي يكتسب فيها الأطفال المعرفة بشتى فروعها وأقسامها، ويكتسبون نظم مجتمعاتهم وأخلاقهم وعاداتهم وأعرافهم، فتتشكل عقولهم ونظم حياتهم وشخصياتهم بما عرفوه وتعلّموه من آبائهم وأمهاتهم ومجتمعهم الكبير، لهذا كانت هذه المرحلة حرجة وخطيرة في حياة الأبناء الصغار.

 

ولذلك ينبغي أن تتناول التربية والتوجيه كل ما يتعلق بالسلوك العام للأبناء، كي ينشأوا على حب الخير والفضائل، والميل إلى مطالعة المصادر التي تقودهم إلى تحصيل العلم والمعرفة والأخلاق الحميدة، وتدريبهم على النفور من فعل الشر والمنكر وقول السوء وممارسة الرذائل القبيحة كالفحش في الكلام والتبذؤ في القول والإساءة إلى الغير بقول أو فعل، وأن يحرص الوالدان على تنمية قدرات أبنائهم الاجتماعية، بتشجيعهم على تكوين علاقات جيدة مع أقرانهم الحسنة أخلاقهم، وكذلك مع غيرهم من الناس في حيّهم ومدينتهم، وحيثما حلوا وقطنوا، فيتألّفونهم بالتقرّب منهم والتودّد إليهم والتلطّف معهم والتحبّب إليهم (استمالتهم)، والاندماج والتعامل معهم بلطف ولين، لأن الاندماج الاجتماعي له منافع كثيرة منها الصحة النفسية والعقلية، لقوله صلى الله عليه وسلم: أكمل الناس إيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويُؤلفون ولا خير فيمن لا يَألف ولا يُؤلف”. ومعنى الذين يألفون، أي: الذين يأنسون بالناس ويأنس الناس بهم ويحبون صحبتهم ويتقرّبون منهم، ومعناها بلغتنا اليوم هم الاندماجيون الذين يحبون مخالطة الناس لنفعهم والانتفاع منهم.

 

الارتجال هو السلوك السلبي الذي يعتمده الكثير من الناس في تربية أبنائهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة، فيعاملون أبناءهم بالخشونة والغلظة والفظاظة والقسوة، فينشأ الأبناء غلاظ الطباع قساة القلوب عديمي الرحمة والرأفة حتى بالوالدين، وتنزع نفوسهم إلى العنف والمشاكسة والعدوان والتمرد على كل قيمة لها اعتبار ديني أو أخلاقي أو قانوني، لاسيما إن كانوا يحملون في نفوسهم استعدادا فطريا للعنف والعدوان.

 

لأن الإنسان كائنٌ اجتماعي بطبعه، أي: إنه يميل إلى العيش في مجتمعه مندمجا (مختلطا) متفاعلا معهم، وفي الوقت ذاته يستفيد بمنافع مادية من خبراتهم وتجاربهم، وأن يُربى كذلك على الابتعاد عن العزلة والانطواء (عدم المخالطة)، لأنهما أصل الأمراض النفسية، كالكبت والانطواء والقلق والتوتر والانفعال (النرفزة).

 

وكذلك يوجّهونهم إلى التقيد بالأفعال، والأقوال والسلوكيات التي تنمي عقولهم وتهذّب سلوكياتهم وتصقل عواطفهم ووجدانهم، وتحسّن مهاراتهم الحسية والجسدية وتقوي شخصيتهم، لأن الطفل كرجل صغير يتكوّن من العقل والعواطف والوجدان والجسم، والعناية بتربية هذه المكونات الثلاثة أمر تستلزمه التربية الصحيحة والتوجيه السليم، ولا إِخال (بكسر همزة إخال وليس فتحها)، أن هذه التربية تصعُب على الآباء إن التزموا بقواعد التربية الصحيحة التي أشرت إليها.

 

وينبغي أن لا يسأم الوالدان أو يفشلا أو يفترا أو يملّا، من الاستمرار الدؤوب في تربية أبنائهم وتوجيههم، بحجة أن تربيتهم لم تظهر نتائجها بالسرعة التي يرغبون فيها، وهذا مبدأ دينيٌّ وأخلاقي وتربوي غير سليم، لأن الطفل في مراحل نموه إلى غاية سن النضج، يعيش ثورة بيولوجية كبرى في عقله ووجدانه وجسمه بسبب الاطراد الكبير للنمو، ومثل الطفل في تربيته وتوجيهه مثل الشجرة التي نغرسها فسيلة صغيرة، ولا تعطينا الثمار إلا بعد سنوات طويلة من الرعاية والعناية والخدمة والجهد الكبير، فأثر التربية يسري في عقل ابنك الصغير ونفسه تدريجيا كالشجرة، وتظهر نتائج هذا الأثر كاملة أو شبه كاملة عند سن النضج، ولذلك ينبغي أن لا نيأس أو نتأسف لعدم ظهور نتائج التربية مبكّرا، لأن اطراد النمو وهيجانه في ذات الأبناء الصغار هو ما يدفعهم إلى الجنوح عن جادة الصواب، ولاسيما في مرحلة المراهقة التي يشعر فيها الأبناء بأنهم كيانات منفصلون عن آبائهم وأمهاتهم، وتبدأ سمات الشخصية الفردية تبرز في عقولهم وسلوكهم، ولذلك تنزع نفوسهم إلى الرغبة في التمرد والتبرم من القيود الأسرية والاجتماعية، خلافا لما كانوا عليه حينما كانوا في مرحلة الطفولة، إذ كانوا يعتبرون أنفسهم لصيقين ذاتيا بآبائهم وأمهاتهم، لأنهم واقعون تحت تأثير الخيال الإيهامي الذي لا يتخلصون منه إلا في سن البلوغ والرشد، فيتحول الخيال لديهم إلى الخيال الطبيعي الذي يساير الواقع المعيش.

 

نخلص في النهاية إلى أن الواجب الشرعي يفرض على الوالدين العناية بتربية أبنائهم وتوجيههم نحو سبل الرشد والهدى والأخلاق الحميدة، كيما يكونون أجيالا صالحين نافعين ومنتفعين.

 

أفضل أساليب تربية الأبناء وتوجيههم

خير الدين هني

2022/10/17

 


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة