جنين بورزق

على غفلةٍ منا رحل واحدٌ من أصوات العقل والحكمة ورجال الوعظ والإرشاد الذين كانوا يصِلون الليل بالنهار خدمة للدين والوطن، ويقدمون للناس خطابا دينيا متّزنا يحترم المرجعية الدّينية للجزائريين ويدفع نحو التآلف والحب بين أفراد المجتمع ولم يسقطوا في متاهات التطرف والغلو.

رحل الشيخ والمفتي والأستاذ الجامعي أبو عبد السلام تاركا وراءه رصيدا كبيرا من الخطب المنبرية والحصص الإذاعية والتلفزيونية، كما ترك إرثا فكريا يجب الاهتمامُ به من خلال جمعه ونشره في سلسلة كتب، وتقديمها إلى الأجيال الجديدة لتكون دليلا يعصمهم من خطر الأفكار المستورَدة من الشرق والغرب.

الشيخ أبو عبد السلام رحمه الله كان واحدا من علماء الجزائر ودعاتها الذين اجتهدوا في تبسيط المبادئ الأساسية للإسلام وقدموها للناس بأسلوب بسيط ولغة مفهومة، وجمعوا حولها الملايين من المتأثرين بهم، ولعل حالة التأثر التي سادت أول أمس إثر الوفاة المفاجئة للشيخ أبو عبد السلام يؤكد مكانة هؤلاء في المجتمع الجزائري.

لقد نجح الرّاحل أبو عبد السلام في التصدي للشطط والتطرّف، وتحمَّل مسؤولية الدعوة والإرشاد في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ووقف سدا منيعا أمام سيل الفتاوى والأفكار المستورَدة التي تدخل بيوت الجزائريين مباشرة عبر الفضائيات، أو من خلال تيارات دينية تحاول تغيير مرجعية الجزائريين.

كان أبو عبد السلام يخرج على الناس بخطاب معتدل ينسجم مع المبادئ الصحيحة للإسلام، وعلى الرغم من أنه خطابٌ هادئ يروّج للقيم السمحة للإسلام ويعتمد التيسير في قضايا الدين ويرفع الحرج عن النّاس في كل ما يتعلق بالقضايا الخِلافية، إلّا أنه يبتعد كل البعد عن الابتذال والاستغراق في الفتاوى الغريبة، وكان صارما حينما تكون الصرامة مطلوبة، كما كان ليّنا عندما يتطلب الوضع ذلك.

لقد نجح الشيخ أبو عبد السلام وأمثاله في استعادة جمهور الفتوى من الفضائيات الأجنبية التي كان يتصل بها الجزائريون يسألون عن أمور دينهم ودنياهم، وفي كثير من الأحيان يحصلون على توجيهات وفتاوى لا تتماشى مع الواقع الجزائري، وغالبا ما تسبٍّب هذه الفتاوى كوارثَ في المجتمع وداخل الأسر، وقضية تحريم كل مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مثال على ذلك.

وخارج القضايا الخِلافية التي تحتمل عدة آراء، لم يكن الشيخ أبو عبد السلام يتساهل مع المسائل التي حسمت فيها الشريعة الإسلامية، ولأجل ذلك زاد الاحترام والقبول له لدى الناس، والدليل حالة التأثر والحزن لوفاته.

رشيد ولد بوسيافة

2022/10/12