يتابع الإعلام الإسرائيلي، بشغف كبير، محاولة الجزائر لمّ الشمل الفلسطيني، وبقدر ما يتحدث بثقة عن استحالة لقاء الفلسطينيين واتفاقهم على رأي واحد، حتى ولو كان هذا الرأي يخص قضيتهم الأولى، بقدر ما هم متخوفون مما سمّته إحدى فضائياتهم “معجزة الوحدة” التي ستجعلهم في حرج بين سلطة فلسطينية يعترفون بها ومقاومة شرسة يصفونها بـ”الإرهاب”. وقد تابعنا برنامجا إسرائيليا بدا فيه الضيوف وحتى منشط الحصة بأيد على القلوب، خوفا من هذه المعجزة، لأنها تحت إشراف بلد وصفوه بـ”أنه لا يلعب في الأمور الجادة”.
لقد تمكَّن الإسرائيليون منذ نكبة 1948 من تحقيق انتصارات كبيرة جدا، عسكريا وديبلوماسيا واقتصاديا، وأخذ الأرض التي يريدون ومتى يريدون، ويجبروا عددا من الدول العربية على الاعتراف بـ”دولتهم” بل ويبرمون معها اتفاقيات ثقافية واقتصادية وحتى عسكرية وأمنية واجتماعية كما حدث مؤخرا، عندما تزوجت سيدة عربية مسلمة من حاخام يهودي في سابقة لم يعرف التاريخُ الإسلامي مثيلا لها من زمن عمرو بن هشام إلى زمن سلمان رشدي.
المتابع للشأن العربي بكل أمصاره، يكاد يجزم بأن وحدة البلد الواحد مستحيلة، فلو سألتَ أي عربي عن نسبة توافق اللبنانيين على رأي واحد، لصدمك بالصفر المئوي قبل أن تكمل جوابك، ولو سألتَ أي استشرافيٍّ غربي عن إمكانية اتفاق أبناء سوريا وليبيا والعراق، لرماك إلى عقود مستقبلية بعيدة، هي بالتأكيد في ظرف زمني لا يعني زماننا، ولو سألت أي إسرائيلي عن سرّ التفاؤل والثقة بالنفس التي يعيشها الصهاينة في العقود الأخيرة، فسيحوّلك إلى الشقاق الذي يضرب كل بلد على حدة، فما بالك أن يجتمع العرب على رأي واحد، كما يتخيل ويؤمن الإسرائيليون.
تعيش فلسطين منذ أكثر من سبعين سنة على نخب الوجع، وكلما حاولتْ أن تجمع شتاتها لمقاومة الألم الاستعماري، ازداد الشرخ في كيانها، إلى درجة أن العدوان الصهيوني الأخير على غزة، شهد ابتعاد فصيل مقاومة عما تميّز به دائما، بسبب عدم تفاهمه مع الفصيل الآخر، ولا أظن بأن الفصيلَ المقاوم والفصيل المتخاذل يختلفان على أن يد الصهيونية في خلافهما كانت موجودة، ورضاها التام عمّا صار يحصل من شقاق بين أصابع اليد الواحدة، بدليل اهتمامها بتحركات الجزائر للمّ الشمل، أكثر من اهتمامها بقواتها العسكرية، لأن قوة إسرائيل الأولى وربما الوحيدة منذ نكبة 1948 تكمن في ضعف الأمة العربية واختلاف بلدانها وأطياف البلد الواحد، وليس لسبب آخر.
لم يعد هناك من حلّ أمام أبناء فلسطين سوى الوحدة، ولن يجدوا زمانا ولا مكانا أحسن من الجزائر، وإذا كانت إسرائيل قد تقوّت دائما بضعفنا، فيمكن أن نُضعفها بقوتنا، ولا توجد قوة أحسن من الوحدة.
لا حل سوى.. الوحدة
عبد الناصر بن عيسى2022/09/26
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.