وصف الإمامُ محمد البشير الإبراهيمي – أنزل الله عليه شآبيبَ رحمته – علماءَ الأمة العاملين بعدّة أوصاف جليلة يتمنى كلُّ إنسان أريب أن يوصفَ بها، منها أنّهم “ملوكٌ على الملوك”، وأنهم “قادة القادة”، وأنهم “صدورُ محافل، وقادة جحافل”، وأنهم “أطباءُ النفوس”. (آثار البشير الإبراهيمي. ج4. ص109- 119). ويكفيهم فخرا وشرفا أنهم “خلفاء” رسول الله، وورثتُه، وإن لم يورِّث دينارا ولا درهما، ولكنه ورَّث كتابا يهدي للتي هي أقوم، وسنة قولية وفعلية وتقريرية تشرح وتبيّن ما جاء في ذلك الكتاب القيّم من أوامر ونواهي، وقد حدّد الإمامُ الإبراهيمي مكان هؤلاء الأئمة في قوله:
لا نرتضي إمامَنا في الصف
ما لم يكن أمامنا في الصف
ولذلك فإن العالمَ العامل يستنكف أن يكون تابعا لِغَويٍّ أو غنيّ.
تذكّرتُ هذه المعاني الجليلة وغيرَها وأنا أشارك إخواني الأئمة بعضَ فعاليات يومهم الوطني (15 سبتمبر) الذي أقرّته الدولة في العام الماضي، وذلك تخليدا لأحد أئمتنا الذي عاش بالقرآن، معلّما له؛ إنه الشيخ الجليل محمد بلكبير، رحمه الله ورضي عنه قولا وفعلا.
إنّ هؤلاء الأئمة، وأنا أعرف الكثيرَ منهم، ليسوا سواء، لا في العلم، ولا في العمل، وهم كسائر أفراد المجتمع منهم السابق ذو الهمة، الذي يحمل همَّ الأمة، ويجتهد للقيام بأشرف مَهمَّة كما قال فضيلة الإمام محمد بلعالية، ومنهم المقتصد الذي لا يكاد عملُه –فضلا عن علمه – يُحلّ له ذلك المبلغ الذي يتقاضاه رغم ضآلته، ومنهم “الظالمُ لنفسه” الذي لا يقرأ كتابا في العام، ولا يعطي المثلَ الأحسن بسلوكه، ومنهم من إن تأمَنْه بدينار لا يردّه إليك ولو كنتَ عليه قائما.. ومنهم من همُّه أن يصلّي وراءه والٍ، أو رئيسُ دائرة، أو رئيسُ بلدية، وأن يُدعى للمناسبات الرسمية ليُرائي الناس، وليقضي مآرب.. ولهذا تجد أسماء بعض “الأئمة” تلوكها ألسنة الناس في المقاهي والأسواق، لأن سلوك هؤلاء “الأئمة” لا يتصف به المسلم العادي الذي لا علمَ له، فضلا عن إمام يُقتدى به، ويأمر الناسَ وينسى نفسَه، وينهاهم ويأتي ما نهى عنه، وقديما قال الشاعر:
لا تنهَ عن خُلق وتأتي مثله
عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيم
لقد لاحظتُ، ولاحظ كثيرٌ غيري، أنّ بعض المساجد الكبرى في مدننا يعتلي منابرَها “أئمة” فوق الأمّية بدرجة.. كما لاحظتُ، ولاحظ كثيرٌ غيري، أنّ هناك مساجدَ “صغيرة” يقوم عليها أئمة علما وعملا، وقد نبّهتُ إلى ذلك فعسى أن يأتي هذا التنبيه بنتيجةٍ طيبة، ومنها أن لا يعيَّن لاعتلاء منبر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا من أوتي علما يفيد وعملا يُقتدى به، أما بقاء بعض “الأئمة” الصغار، علما وسلوكا، في مساجد كبيرة، فهو جريمة يُسأل عنها من شارك في ذلك، خاصة أنّ حاملي شهادة الليسانس في العلوم الشرعية من الكثرة بمكان، وأنّ مرتّب الإمام لا يخضع لكِبر المسجد أو صِغره، فلا يُعقل أن يعتلي المنبرَ من يحمل شهادة التعليم المتوسط أو البكالوريا ليخطب على أصحاب شهادات عليا، والكارثة أنّ هذا “الخطيب” ليس على شيء، وقد شاهدنا مساجدَ كبيرة تكاد تكون فارغة، لأن بعض القائمين عليها “أفرغُ من فؤاد أمّ موسى”. هنيئا للسادة الأئمة أصحاب الهمّة والهمّ والمَهمَّة بيومهم الوطني، وإن كان حظّكم من الدنيا قليل، فما ينتظركم من خير عند الله جزيل.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.