مواجهة عصابات القتل والسّرقة والاعتداء على الآمنين
انتشرت في مجتمعنا الجزائري عصابات شبانية تمتهن السّرقة والاعتداء على الآمنين حتّى وصل بهم الأمر إلى القتل، والمطّلع على إحصائيات الجرائم الشّهرية أو السّنوية يلاحظ ازديادها شهرًا بعد شهر وسنة بعد أخرى، يهوله كثرة عدد هذه الجرائم وتنوّعها وازديادها، ويعتريه الألم الشّديد من هؤلاء المنحرفين.
إنّ انتشار الإجرام بين النّاس مؤذن بخطر عظيم، فهو مقتضٍ لحصول مقت الله سبحانه وتعالى وسخطه، وإذا حلّ المقت فإنّ العقوبة ستكون شاملة. فهذه جرائم تتعلّق بها عقوبات وشؤم في هذه الدّنيا؛ فإذا انتشرت فوبالها وعقوبتها ستشمل الصّالح والطّالح؛ ولهذا يجب على المسلمين أن يتعاونوا على مكافحة هذه الجرائم والوقوف في وجهها.
لقد بيَّن لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنّ الإجرام سببه نقص الإيمان؛ وإنّ أكثر الجرائم الّتي تقع من المسلمين اليوم تقع في العادة من أناس ضعيفي الإيمان، تاركي الصّلاة والصّيام، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لا يَزْنِي الزّاني حين يَزْنِي وهو مؤمن، ولا يشرَبُ الخمر حين يشْرَبُهَا وهو مؤمنٌ”.
ومن أَسباب الإجرام: أن يغفل الإنسان عن الله تبارك وتعالى لحظة ارتكاب الجريمة، فتغلبه شهوته فيقع فيما حرّم الله عليه لا نكرانًا ولا جهلًا، ولكنّه يفعل ذلك غفلة ونسيانًا؛ فتزدريه النّفس الأمّارة بالسّوء، ويقوده الشّيطان الّذي لا يقوده إلّا إلى ما يهلكه، وحينئذ يتّبع هواه فيتردّى في الوحل وينساق وراء الشّهوات، فيكون كالحيوان البهيمي ينساق وراء شهواته وجرائمه.
إِنّ الجريمة سلوك شاذ، يهدّد أمن الأفراد، واستقرار المجتمعات، ويقوّض أركان الدول والبلاد، وأحكام الشّريعة الإسلامية الغرّاء بعدلها القويم، ومبادئها الشّاملة تدور حول صيانة الضّرورات الأساسيّة الّتي لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها، ويعيش بدونها، وهي ترجع إلى خمس: الدّين والنّفس والعقل والنّسل والمال. وقد وضعت الشّريعة الإسلاميّة في سبيل المحافظة على هذه الكُلّيَات عقوبات زاجرة وأليمة لكلّ مَن يتعدّى عليها وينتهك حرمتها.
وقد انتهج الإسلام أسلوبين رئيسين للحفاظ على هذه الضّروريات وضمان استمرارها، الأوّل وينبع من نفس المسلم ذاته وذلك بما يغرسه في نفس المسلم من وازع ديني قويّ يحمله على الانصراف عن نوازع الشّرّ والإقبال على أسباب الخير له ولغيره من النّاس، وبما يرسيه الإسلام في المجتمع الإسلامي من دعائم المحبّة والطّهر والتّضامن والتّعاون على الخير، وأمّا الأسلوب الثاني فهو أسلوب الرّدع والجزاء لكلّ مَن ارتكب جرمًا من شأنه الإخلال بالضّروريات الخمس سالفة الذّكر، وهذا الأسلوب الثاني هو الّذي يقوم عليه النّظام الجنائي الإسلامي، ولذلك شرع الله الحدود والقصاص لحماية هذه الضّروريات.
وما من شك في أنّ هذا الواجب إنّما يقع على الدولة باعتبارها القائمة على مصالح النّاس الرّاعية لشئونهم، والإسلام ليس مجرّد تعاليم موجّهة للأفراد فقط ولكنّه دين ينظّم شئون الفرد والأسرة والجماعة والدولة بل والمجتمع الإنساني بأسره، ومن ثمّ فلم يكتف الإسلام بأن قرّر حقّ كلّ فرد في الدّفاع عن ماله بما يكفل الحفاظ عليه، وإنّما شرع العقوبة الكفيلة بحماية هذا المال وصيانته، حتّى يعيش النّاس مطمئنين على أموالهم فينصرفون إلى شئونهم ويجدون في حياتهم وهو آمنون.
والحدود والقصاص في الإسلام إنّما هي زواجر تمنع الإنسان المذنب أن يعود إلى هذه الجريمة مرّة أخرى، وهي كذلك تزجر غيره عن التّفكير في مثل هذه الفعلة وتمنع مَن يفكّر في الجريمة من ارتكابها، وهي أيضًا نكال “مانع” من وقوع الجريمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة، والعقوبات على الجرائم إنّما جُعِلَت زاجرة ومكفّرة، فإنّها زاجرة عن أن ترتكب المعاصي، وإذا نفّذت في الجاني إنّما كفّرت عنه ذنبه الّذي اقترفه، فلا يعاقب عليه في الآخرة.
إنّ شدّة العقوبات في الإسلام إنّما هي الرّحمة كلّها، وإنّما هي صيانة لحقوق الإنسان؛ لأنّنا إذا طبّقناها في رجل أو رجلين، أو امرأة أو امرأتين فإنّنا حفظنا بذلك حقوق الملايين، وذاك الّذي طبّقت فيه العقوبة إنّما هو الّذي أضرّ بحقوقه، وهو الّذي أهان نفسه، فلا يلومنَّ إلّا نفسه. يقول تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
ولإقامة الحدود بركات كثيرة، نذكر منها: الحدّ من انتشار الجريمة، واستتاب الأمن، وحلول الخير والبركة، عن أبى هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا”.
والعقوبة مهما كانت سواء أكانت عقوبة قصاص أو عقوبة تعزيز فهي العلاج الحاسم الحازم لمعالجة الشّعوب، ومكافحة الجريمة، وإصلاح الأمم، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في ربوع الإنسانيّة جمعاء، والأمّة الّتي تعيش بلا عقوبة لمجرميها فهي أمّة منحلّة متميّعة متفكّكة الكيان، متقطّعة الرّوابط والأوصال، تعيش في فوضى اجتماعية دائمة، وفي تخبُّط من الإجرام المستمرّ.
أدعو إلى تضافر الجميع في مكافحة الجريمة وإلى إقامة حدود الله والعقوبات الشّرعيّة في الجرائم، ففيها الضّمان الأكيد في رسوخ الأمن والأمان والاستقرار للفرد والمجتمع. كما أدعو المشرّع لتضمين القوانين الجنائيّة مواد ونصوصًا قانونيّة من شأنها منع الجريمة قبل وقوعها، بما يتّفق مع العقوبات الشّرعيّة الّتي نصّت عليها شريعة الإسلام.
اسلاميات 5 سبتمبر 2022 (منذ 10 ساعات) الدكتور عبد الحقّ حميش
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.