التّمييز العنصريّ في الأنفس والدّماء!
لا يخفى على أحد أنّ الغرب قد لوّث حياة النّاس ماديًّا ومعنويًّا، فرغم إسهامه الكبير في مواصلته سير تطوير العلوم والتّقنية والمدنيّة عامة إلّا أنّ التّكلفة كانت كارثية، فقد لوّث الغرب حياة البشرية بكلّ ما تحمله هذه الجملة من معاني، فقد لوّثوا الكرة الأرضية ماءً وترابًا وهواءً، أنهارًا وبحارًا ومحيطات وصحراء وجبالًا، ولوّثوا حتّى الفضاء بمخلّفات المركبات، كما لوّثوا أفكار النّاس ونفوسهم بالشّذوذ والإدمان والانحلال الأخلاقي والفسوق والجرائم، والنّظريات الفلسفية والعلمية الافتراضية الإلحادية... الخ. وزاد من فداحة الكارثة خُبث الغرب الّذي حرص أن تدفع شعوب العالم غير الغربي الثّمن! ومع لؤمه وخبثه وخططه لم ينجُ هو أيضًا من الآثار المدمّرة لغطرسته وطغيانه العلمي والعسكري والسّياسي، فهو يعاني آثار تلويثه للبيئة المادية، ويعاني آثار تلويثه للبيئة المعنوية والأخلاقية.
إنّ من أسوأ ما لوّث به الغرب حياة النّاس تلك العنصرية المقيتة، الّتي تنظر للنّاس من خلال الطّبقيّة القائمة على نظرية التّطوّر وتفوّق الجنس الأبيض، أكثر الأجناس البشرية إزهاقًا لأرواح الأبرياء، وسفكًا للدّماء، وإشعالًا للحروب، وانتهاكًا لحقوق الإنسان والحيوان! وما صحب ذلك من قولبة لأفكار خاطئة وخطيرة وإشاعتها، حتّى راجت على كثيرين دون الانتباه إلى العفن النّفسي والفكري الّذي تستند عليه. ومن أشنعها وأقبحها التّمييز العنصري المقيت في الأنفس والدّماء، والنّفاق العالمي البغيض.
إنّ الإسلام دين الفطرة والعلم والعقل والعدل حكم حكمًا بيّنًا قاطعًا أنّ دماء النّاس ونفوسهم تتساوى فلا يجوز إزهاقها ظلمًا وعدوانًا، بل جعل نفسًا واحدة كنفوس النّاس جميعًا: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، فقتل الشّيخ الكبير كقتل الطّفل الصّغير كلاهما جريمة نكراء، وقتل المرأة والفتاة كقتل الرّجل والفتى كلاهما جريمة نكراء، وقتل المقاوم المدافع عن حقّه ووطنه وشعبه كقتل الصّحفيّ والإعلامي كلاهما جريمة نكراء، وقتل أيّ إنسان بريء جريمة نكراء، وقتل المحتلّ الغاشم لأيّ إنسان في وطنه وأرضه الّتي احتلّها هذا المحتلّ جريمة نكراء! بل حتّى قتل الحيوانات من طرف المحتلّين جريمة نكراء! فما ذنب الحمار أو الكلب أو القط أو الخروف أو غيرهم من الحيوانات أن يكون في أمان الله، فيقصفه المحتلّ الظّالم بصاروخ فيقضي عليه؟! هذا هو منطق الحقّ والعدل وحقوق الإنسان، وهذا هو منطق الإسلام وحكمه، فكيف هو الأمر عند الغربيين؟!، وما هي الأفكار العنصرية والمواقف النّفاقية الّتي لوّثوا بها حياة النّاس في هذا الزّمن البئيس؟!
إنّ الغرب المنافق يرفع شعارات الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، وما هي إلّا شعارات برّاقة خادعة، يخاتل بها الشّعوب المغلوبة على أمرها والأغبياء ممّن انبهروا بنفاقه وخداعه، أمّا الحقيقة فإنّ الغرب بكلّ دوله ومؤسساته الدّولية السياسية والإعلامية قائم على التّمييز العنصريّ المقيت، وهو يُميّز عنصريًّا حتّى في الدّماء والأنفس، واستطاع للأسف أن يسمّم أفكار كثير من النّاس في هذا الموضوع الخطير والهام، ويمرّر عليهم أفكاره العنصريّة ويزيّنها في أعينهم وربّما أقنعهم بها.
إنّ الكلّ يرى كيف ثارت دول الغرب كلّها بقضّها وقضيضها دفاعًا عن حقّ الشّعب الأوكراني في الحياة والسّيادة، وكيف دعّموه جهارًا نهارًا بالمال والسّلاح ولكنّ الفلسطينيين لا حقّ لهم؛ لأنّهم مسلمون وعرب، فهم أدنى رتبة أو رتبًا في سلّم البشرية! والكلّ يرى كيف استقبل هؤلاء الغربيين اللّاجئين الأوكرانيين، وكيف دعموهم وساندوهم وتباكوا عليهم وناحوا، أمّا اللاجئين المسلمين والعرب فلا حقّ لهم؛ لأنّهم مسلمون وعرب، فهم أدنى رتبة أو رُتبًا في سلّم البشرية! والكلّ رأى كيف يتفاعلون مع مقتل الإعلاميين، كما تفاعلوا في مقتل الإعلامية الحرّة المغدور بها شيرين أبو عاقلة، أمّا رجال ونساء وشباب وفتيات وأطفال الشّعب الفلسطيني الآخرين فلا حقّ لهم، فليس وراءهم مؤسسات إعلامية عالمية تتبنّى قضيتهم! وحتّى بين أفراد الشّعب الفلسطينيّ نفسِه يميّزون بين شهدائه وقتلاه تميّزًا عنصريًّا، فإن كان في الشّهداء والقتلى نساء أو أطفال ذرفوا دموع التّماسيح وأظهروا الأسى والأسف، ودعوا الوحش الصّهيونيّ لضبط تسديده! أمّا إن كان الشّهداء والقتلى رجالًا وشبابًا فالأمر لا يعدو رقمًا من الأرقام! فلا حُرمة لهم ولا حقوق لهم، هذا إن كانوا مدنيين، أمّا إن كانوا أحرارًا مجاهدين مقاومين فهو الانتصار المبين على زمرة (الإرهابيين)!
إنّ المؤسف حقًّا أنّ هذا النّفاق والتّمييز العنصري في الدّماء والأنفس سرى حتّى عند كثيرين منّا غفلة أو جهلًا، فعدنا نرى هذا التّمييز العنصريّ في الدّماء والأنفس حتّى في المؤسسات الإعلامية المحترمة، وحتّى في الخطابات الرّسمية للدول العربية والإسلامية، بل حتّى عند المفكّرين الأحرار وعلماء الشّريعة وعامة النّاس! وما ينبغي هذا ولا يقبل، فالنّاس سواسية كأسنان المشط، ودماء النّاس الأبرياء لها نفس الحرمة، وقتل أيّ إنسان بالباطل ولو جنديًّا أو مجاهدًا مقاومًا ظلم وعدوان، والاحتلال ظالم مجرم متوحّش مهما زيّن من فعله! ومهما حشد من مبرّرات! ومهما دافع عنه المنافقون!