معالجات إسلامية عُبادة بن الصامت ….أول قاضٍ في بيت المقدس: 2022-08-13
السبت _13 _أغسطس _2022AH 13-8-2022AD
معالجات إسلامية
عُبادة بن الصامت ….أول قاضٍ في بيت المقدس** البصائر**
: 2022-08-13
د. يوسف جمعة سلامة*/
إِنّ فلسطين أرض العلماء، فَكَمْ مِنْ عالمٍ وُلد على ثَراها، أو ترعرع في أزقتها، أو زارها، أو دُفن فيها، ومن فضل الله علينا أَنَّ بلادنا فلسطين موطن العلم والعلماء منذ قرون طويلة، حيث جاء إليها العلماء فَأَلَّفوا الكُتب وعقدوا حلقات العلم، وعند الدخول إلى المسجد الأقصى المبارك تجد أنَّ الأعمدة مكتوبٌ عليها: هذا عمود أبي حامد الغزالي، وهذا عمود ابن القيم، وهذا عمود صلاح الدين… وغير هؤلاء، كما تنتشر في هذه الأيام -والحمد لله- مصاطب العلم في المسجد الأقصى المبارك، وهي إحياء لحلقات العلم التي كانت تُقام فيه منذ مئات السنين.
لذلك فقد حرص الصحابة والتابعون والمسلمون بصفة عامة، والعلماء بصفة خاصة على زيارة فلسطين؛ ليقوموا بواجبهم في نشر العلم والنور في أرض الإسراء والمعراج بصفة عامة، وفي المسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة، ومن هؤلاء: سعيد بن زيد- رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة، وبلال بن رباح- رضي الله عنه- الذي رفع الأذان بصوته النَّديّ في المسجد الأقصى المبارك، ومعاذ بن جبل- رضي الله عنه-، وكان له الفضل في مشورته على أبي عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه-، أن يطلب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – القدوم لاستلام مفاتيح بيت المقدس، وَعُبادة بن الصامت – رضي الله عنه- أول قاضٍ للإسلام في بيت المقدس، وقد توفي بها سنة 34هـ، حيث دُفن في مقبرة باب الرحمة بجوار باب الرحمة، وَشَدَّاد بن أوس الأنصاري – رضي الله عنه-(مُعَلِّم هذه الأمة) الذي تُوفي ببيت المقدس سنة 58هـ، وقبره معروف بالقُرب من باب الرحمة.
وقد جاء ذكرهما في كُتب التاريخ الإسلامية، كما ذكرهما مصطفى أسعد اللقيمي الدّمياطي في كتابه (موانح الأنس برحلتي لوادي القدس ص82)، فقال:
يَمِّـمْ مقامَ عبادةَ بن الصامت والشّهـم شداد بِبَابِ الرَّحْمَــةِ
فَهُمَا الإمامان اللَّـذان تَفَيَّـئَا مِنْ صُحْبَة المُخْتَار أَيْنَعَ دَوْحَةِ
شَهِدَا المشاهِدَ والمواقفَ كُلَّها بُشْـرَاهُمَـا فَـازَا بِأَرْفَـع رُتْبَــةِ
وسنتحدث في مقالنا هذا عن صحابي جليل من السابقين الأولين،كان أول قاضٍ للإسلام في بيت المقدس، إنه الصحابي الجليل عُبَادة بن الصامت – رضي الله عنه-.
القضاء في الإسلام
من المعلوم أنّ ديننا الإسلامي قد اهتم بالقضاء اهتماماً بالغاً، فاعتبره فريضة مُحْكمة وَسُنّة مُتَّبعة، ووضع له نظاماً قويماً ومنهاجاً سليماً مستقيماً، وإظهاراً لعناية الإسلام بمنصب القضاء فقد تَصَدَّر له رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – بنفسه، وجلس لِلْحُكم بين الناس في مُنازعاتهم وخصوماتهم، امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً}، وتأصيلاً لمبدأ نفاذ الأحكام، وكونها مُلزمة لجميع العباد، فقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالطاعة والامتثال والانقياد والتّسليم التّام الذي لا خيرة بعده ولا تردّد، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}.
وقد جاء في السيرة أنّ رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم – قد علّم أصحابه القضاء وكلَّفهم به، وأوضح لهم مِنهاجه، كما جاء في الحديث عن على بن أبي طالب- رضي الله عنه – قال: (بعثني رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – إلى اليمن قاضياً، فقلتُ: يا رسول الله تُرسِلُني وأنا حديثُ السِّنِّ، ولا علمَ لي بالقضاء؟ فقال: «إِِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ»، قَالَ: فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا، أَوْ: مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ).
وكذلك الخلفاء الراشدون- رضي الله عنهم أجمعين – بعد رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – جلسوا للقضاء بين الناس والفصل في خُصوماتهم ومنازعاتهم، وبينوا وجه الحق ومنهاج القضاء السليم في ذلك، ويكفي أن نذكر هنا رسالة سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- التي وجّهها إلى أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه- عندما وَلاَّه قضاء الكوفة، ومما جاء فيها: (فإن القضاء فريضة مُحكمة وَسُنَّة مُتّبعة…والصُّلْح جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ إِلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً، أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً).
حيــاته
عُبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري، وكُنيته أبو الوليد، أسلم في ريعان شبابه، وشهد بيعة العقبة الأولى والثانية، كما شهد بدراً والمشاهد كلّها مع الرسول – صلّى الله عليه وسلّم –.
– أُمّه قرة العين بنت عُبَادة بن نَضْلة بن مالك بن العَجْلان.
– آخى رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – بينه وبين أبي مَرْثد الغَنَويّ المهاجري في المدينة.
-شارك عبادة – رضي الله عنه – في غزو الروم وفتح اللاذقية وجبلة، وشهد فتح مصر مع عمرو بن العاص – رضي الله عنه سنة 20هـ ، وكان قائد فتح الإسكندرية سنة 25هـ.
– عَيَّنه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قاضياً على الشام وأقام بحمص.
– زوجته أُمّ حرام بنت ملحان، خالة أنس بن مالك – رضي الله عنه -، وهي التي حَدَّثت أنّ النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – دخل عليها فأطعمته، ثم نام ثم استيقظ وهو يضحك …. كما جاء في الحديث الشريف: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَأَطْعَمَتْهُ، ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ، غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ»، أَوْ «مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ» – يَشُكُّ أَيَّهُمَا – قَالَ: قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ، غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ»، كَمَا قَالَ فِي الأُولَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: «أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ»، فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَهَلَكَتْ).
فضائله
أول قاضٍ للإسلام في بيت المقدس
لقد فُتحت فلسطين في السّنة الخامسة عشر للهجرة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
– رضي الله عنه -، ومن المعلوم أَنّ سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي فُتِحَت في عهده مصر ودمشق وبغداد لم يذهب لاستلام مفاتيح أية عاصمة، وإنما جاء إلى القدس في إشارة منه – رضي الله عنه – إلى مكانة هذه المدينة المُقدسة في عقيدة الأمة.
وقد أصدر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قراراً بتعيين الصحابي الجليل عبادة بن الصامت – رضي الله عنه- قاضياً لبيت المقدس فكان عبادة – رضي الله عنه – أول قاضٍ للإسلام في بيت المقدس، وتلك إشارة واضحة إلى مكانة عبادة – رضي الله عنه- العلمية والفقهية.
رجل بألف رجل
عندما عزم المسلمون على فتح مصر التي بَشّرهم رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – بها ، فَاتَّجه إليها عمرو بن العاص – رضي الله عنه – بجيش كبير، ولكن عندما وصل إلى مشارف مصر رأى كثرة عدد الروم، فطلب عمرو بن العاص- رضي الله عنه – مَدَداً من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – واستجاب عمر – رضي الله عنه – لرأي عمرو – رضي الله عنه- وكتب له : أما بعد: فإني قد أَمْدَدْتُك بأربعة آلاف رجل، على كل ألفٍ رجلٌ بمقام ألف، إشارة إلى كفاءة المُقاتلين ومهارتهم وصدقهم وشجاعتهم، وهم: عُبادة بن الصامت، والزّبير بن العوام، والمِقْداد بن عمرو، وَمَسْلَمة بن مَخْلَدْ- رضي الله عنهم أجمعين -.
ومن خلال ذلك تتجلّى مكانة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت – رضي الله عنه -.
وفاته
تُوفي عبادة – رضي الله عنه – سنة أربع وثلاثين للهجرة بمدينة الرَّملة، وَنُقل جُثمانه إلى بيت المقدس حيث دُفِن في مقبرة باب الرحمة ببيت المقدس، وعمره اثنتان وسبعون سنة.
وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.