ل-الشروق الجزائرية تدريسُ الإنجليزية.. الآن حصحص الحق بقلم: سي حاج محند م. طيب 2022/08/03
حمدا لله كثيرا كثيرا لا ينقطع.. ها هو ذا القطار قد وُضع في سكته الحقيقية، وها هو ذا النهر العظيم المبارك قد عاد إلى مجراه الطبيعي، متدفقا بالبركات والخيرات، وها هو القرار الحكيم قد اتُّخذ؛ قرار تدريس اللغة الإنجليزية في التعليم الابتدائي، ذلك القرار الذي انتظرناه طويلا، وتشوّقنا إليه كثيرا، ونادينا به بكرة وأصيلا، وتعطّشنا لرؤيته تعطُّشا شديدا. قرارٌ بطولي حصيف، أصله ثابت وفرعه في السماء يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، لا يتخذه إلا من رُزق قدرا عظيما من النبل والمروءة والوطنية والشجاعة والإخلاص. قرار سُرَّ به الشهداء الأبرار تحت الثرى، وافتخر به المواطنون الأحرار بين الورى. قرارٌ حطم آخر حلقة تكبل الجزائر العظيمة العزيزة، المرهَقة بما سلطه عليها المستعمِر الخبيث البغيض، من ظلم وعسف واضطهاد.
ها نحن راحلون إلى مثوانا الأخير في راحة واطمئنان على مستقبل المدرسة الجزائرية؛ فهي اليوم محظوظة بعد أن وُصفت من قبل بـ”المنكوبة”، بقطع النظرعن مدى واقعية هذا الوصف من عدمه، إنما نريد فقط أن نسجِّل بارتياح غامر ورضى عميق، هذه الصورة الرائعة للمدرسة الجزائرية كما تصوَّرها الشهداء الأبرار، وكما تصورناها نحن معهم. ونلاحظ بجانب هذا أيضا تحطُّمَ عقدة التردد والخجل بالتحدُّث باللغة الوطنية عند الجزائريين، فأضحينا نسمعهم وخاصة المسؤولين، يتحدثون بلغة فصيحة دقيقة، حتى في المصطلحات العلمية الحديثة، الأمر الذي سرّنا كثيرا، وأثار إعجابنا ودهشتنا من هذا المستوى اللغوي الرفيع؛ مما جعلنا نتساءل في تعجب وارتياح: كيف اختبأ وتعطل كل هذا الكنزُ الثمين، وكيف توقف هذا النهر الكريم عن التدفق والانسياب؟ لطالما تعودنا حتى مللنا، سماع العبارة الثقيلة المتداولة من كل المسؤولين تقريبا: “بسم الله الرحمن الرحيم أعتذر عن التحدث باللغة الوطنية”. والعبارة ما عدا البسملة تقال بالفرنسية بطبيعة الحال. لقد –والله- أخذت بعض الأفكار التشاؤمية تدبُّ إلى نفوسنا، وبدت بوادر اليأس تتراءى لنا في الأفق، متوعدة إيانا ومهددة مستقبل المدرسة التي كان يحلم بها الشهداء الأمجاد والمواطنون الأحرار.
تدريس اللغة الإنجليزية في الابتدائي قرارٌ بطولي حصيف، أصله ثابت وفرعه في السماء يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، لا يتخذه إلا من رُزق قدرا عظيما من النبل والمروءة والوطنية والشجاعة والإخلاص. قرار سُرَّ به الشهداء الأبرار تحت الثرى، وافتخر به المواطنون الأحرار بين الورى. قرارٌ حطم آخر حلقة تكبل الجزائر العظيمة العزيزة، المرهَقة بما سلطه عليها المستعمِر الخبيث البغيض، من ظلم وعسف واضطهاد.
كل هذا التحويل عن الاتجاه الصحيح، وكل هذا التشويه للعقول السليمة، كان نتيجة لخطة جهنمية وُضعت بإحكام، وبرامج شيطانية أعِدَّت بخبث ودهاء، منذ دنَّست أقدام الاستدمار القذرة أرض الجزائر الزكية الطاهرة، للقضاء على كيان هذه الأمة العريقة، وفي مقدمتها محو اللغة الوطنية، التي هي عماد وخرسانة كل الأمم والشعوب؛ ليخلو الجوُّ للغته لتبيض وتصفر، وبذلت جهود مضنية من أجل إعداد أجيال من أبناء الجزائر، يسهرون بكل تفان وإخلاص على تنفيذ الخطة، ومواصلة المسيرة بكل جدية وحماس لا مثيل لهما، حتى لدى بعض أبناء المستعمِر نفسه. وهذا مديرُ تخريج المعلمين ببوزريعة بالجزائر يكشف لنا جانبا من هذه الخطة في رده على قرار البرلمان عام 1908 بمنع أبناء الجزائريين من الالتحاق بالمدرسة، تخفيفا للأعباء على ميزانية الدولة. ومما جاء في مقاله: “… نعم. نحن الفرنسيين ننشر نور العلم بين الأمازيغ وفي أعالي جرجرة… الكثير يقولون: لِمَ إرهاق ميزانية الدولة بهذه الأموال الضخمة، ونحن لا نجني أيَّ فائدة من ذلك؛ لأنها موجهة لمن لا يأتينا منهم إلا الضرر؟… أقول لهؤلاء: إنكم مخطئون في تقديركم واستنتاجكم، وإن الفائدة هي لنا وحدنا. وإن سألتم عن ماهية ذلك أقول لكم: نحن نعلِّم هؤلاء الصغار الذين سيصبحون يوما ما كبارا، لهم تأثيرٌ مؤكد في الحياة. لكن أتدرون ماذا نعلّمهم وهم صغار.؟ إننا نعلمهم أن الحضارة الفرنسية أرقى الحضارات، وأن الصناعة الفرنسية أجود الصناعات، وأن اللغة الفرنسية أجمل اللغات، وأن الجيش الفرنسي أقوى الجيوش. وعندما يكبرون لا يجدون في عقولهم سوى هذه الأفكار. أتدرون ما هي النتيجة المؤكدة لذلك؟ النتيجة سيدافع عنا هؤلاء ونحن غائبون أفضل من سلاحنا وجنودنا ودباباتنا وكل ما نملك من قوة ونفوذ… لقد خدعتم فرنسا وخذلتموها بل خنتموها بحرمانها من مثل هؤلاء المدافعين الأوفياء…”.
بعد صدور هذا المقال في الجرائد، عاد البرلمان للاجتماع فألغى قراره السابق بمنع الأطفال الجزائريين من الالتحاق بالمدرسة الفرنسية. وهكذا نرى أن المستدمر لم يكن يتفضل علينا بالتعليم من أجل مصلحتنا، بل من أجل استغلالنا لمصلحته هو لا أكثر ولا أقلّ. ومع الأسف فقد نجح في تخريج طائفة من هذا الصنف، وكانوا يخدمون الهدف بكل تفان وتضحية وإخلاص؛ رافعين راية القضاء على اللغة العربية في الجزائر؛ فكم سخروا من لغتهم الوطنية، وكم عرقلوا مسيرتها الصحيحة، وكم أظهروا لها من كراهية وعداء، ولهؤلاء نقول: سامحكم الله فأنتم ممن غُرِّر بهم؛ فنحن لا نضمر لكم أي حقد أو ضغينة؛ فها هي أيدينا ممدودة إليكم فمدُّوا أنتم كذلك أيديكم، فأنتم إخوة لنا ونحن إخوة لكم؛ إخوة في الدين وإخوة في الوطن وإخوة في الماضي العسير، وإخوة في المستقبل الزاهر السعيد، فلنسر معا في ظلال هذه الشجرة من الأمل، المترعرعة الوارفة الظلال، التي غرسها أبناء الجزائر البررة، في هيئة مدرسة جزائرية منشودة؛ مدرسة أساسها وعمادها اللغة الوطنية التي تحافظ على كيان الأمة ووحدتها، وحِليتُها أرقى لغة في العالم للانتفاع بكنوز المعرفة الإنسانية العصرية. والآن والحمد لله آن الأوانُ أن نذهب إلى مثوانا الأخير ونحن مرتاحون راضون مستبشرون بمدرسة جزائرية أصيلة وعصرية، تسير بخطواتٍ ثابتة نحو آفاق واعدة، تلوح من خلالها أمارات السؤدد، وبشائر التطور والازدهار.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.