جنين بورزق

/مضى الزمن الجميل الذي كان ينشر فينا الحب والصفاء والحنان.
و مات ذلك الزمان بكل ما فيه من حلاوة الأيام وذكرياتها،وترك فى النفس أثاراً لا تمحى نستعيدها لتكون معيناً نكمل به مشوار الحياة .
ترى هل يعود ذلك الزمان الجميل ؟حيث كنا نعيش حلاوة الحياة في المدينة بمكتباتها الشهيرة نقتني منها آخر ما وصل من كتاب,ونطالع خلسة أخر ما وصل من أعداد مجلة العربي, ونتمتع بواجهات المحلات والعمارات ورونقها المعماري الجميل , ونتسابق لحضور المعارض والمنتديات والمحاضرات،لا يفوتنا منها شيء… و..و…و
فإذا عدنا إلى مدينتنا:القرية الجميلة بواديها وكثبانها ورمالها ونخيلها وجمال أهلها .
كان الوقت صيفا نعيش أيامه الجميلة ، مَا أحْلى طَيْشَ شبابه وما أحْلى عُهوده العذبة.
كان الزمن يمر مسرعاوكانت لياليه حلوة بالسمر الجميل .
نردد مع إيليا أبي ماضي:
«لله ما أشهى القرى وأحبّها  لفتى بعيد مطارح الأفكار
إن شئت تعرى من قيودك كلّها  فانظر إلى صدر السّماء العاري
وامش على ضوء الصّباح،  فإن خبا فامش على ضوء الهلال السّاري..
عش في الخلا تعش خليّا هانئا كالطّير..  حرا، كالغدير الجاري..
عش في الخلاء كما تعيش طيوره..  الحرّ يأبى العيش تحت ستار !،»
كنا نلغو أثناء الصيف، لنجد أثناء الشتاء ، ففي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها، أما حرارة الصيف فتجعل الناس يخلدون إلى الدَّعة والكسل، يُحيون الليالي بالسمر، ويتوافدون على وجهات الاصطياف.
كان الصيف فرصة وأيما فرصة للمطالعة: نقرأ لمصطفى لطفي المنفلوطي روائعه: النظرات، والعبرات والمختارات، وماجدولين تحت ظلال الزيزفون، والشاعر، والفضيلة….
رحمك الله يا منفلوطي ..كم كنت نابغة في الإنشاء والأدب، وأجمل ما فيك انفرادك بالأسلوب النقي في مقالاتك تعلمنا منها حسن العبارة٫ واستفدنا منها العفة والإحسان للغير.
وكان الصيف فرصة نطالع فيه كتب عميد الأدب طه حسين الذي دأب أن يخص العطلة الصيفية بكتابات ظاهرها هزلي وباطنها جدي،من لغو الصيف.
كما نطالع كتب جرجي زيدان عن روايات تاريخ الإسلام تتناول مراحل التاريخ الإسلامي منذ بدايته حتي العصر الحديث,ركز فيها على عنصر التشويق والإثارة، بهدف حمل الناس علي قراءة التاريخ، ونشر المعرفة التاريخية من وجهة نظره، ومنها: فتاة غسان، وأرمانوسة المصرية، وعذراء قريش، وشارل وعبد الرحمن، وعروس فرغانة، و…و…و
واليوم عادت بي الذاكرة وعدت أمشي في شوارع عميروش ..وديدوش مراد…ومحمد الخامس، أتفقد المكتبات التي كنت أزورها وأتزود منها وجدتها تنكرت لفعلها الثقافي، فما عاد يدر عليها دينارا، وماعاد للثقافة في هذا الزمن الرديء أهل ولا زوار…
أمشي والذكريات تتزاحم…وهاتف من داخلي ينادي أيها الزمن عد قليلا ..إمنحني فرصة للصراخ والبكاء لأستعيد نفسي من جديد فاكون سعيدا مؤدبامثقفا حرا لا عبدا…
استيقظت والهاتف من داخلي يهمس: يا مُوْغِلاً كالطِّفْلِ فِي أحلامِهِ هيهاتَ، أيامُ الصِّبا لنْ تَرْجِعَا.
….الوداع يا زمني وزمن أترابي فقد كُنْتَ جميلا وكُنْتُ بك سعيدا.

ألا ليت الزمان الجميل يعود يوما