لطالما كان المتفوقون في مختف الشهادات العلمية، من حفظة القرآن الكريم، وخير دليل أنّ “نوابغ” البكالوريا على مرّ السنوات الأخيرة من حفظة كتاب الله المتخرجين من مدارس قرآنية، أو سبق لهم الدراسة فيها وهو ما جعل المُختصين في الشأن التربوي يدعون إلى الاهتمام بهذا الموضوع أكثر، ولم لا إدراج مادة حفظ وتفسير القرآن في المناهج التربوية، مع إعطاء أهمية أكبر للمدارس القرآنية.
جاحد من ينكر علاقة حفظ القرآن الكريم، بتحفيز ذاكرة الأطفال وزيادة فهمهم واستيعابهم للمناهج التعليمية، فمنذ انطلاق شهادة امتحان البكالوريا إلى اليوم، غالبية أو معظم المتفوقين وبمعدلات مرتفعة، هم من حفظة القرآن الكريم.
وفي هذا الصدد، أكد الخبير التربوي والإطار السابق في وزارة التربية الوطنية، عبد القادر فضيل في تصريح لـ “الشروق”، بأن عديد العوامل تساهم في تحفيز ذاكرة التلميذ وزيادة استيعابه للمواد التعليمية، ومنها حفظ القرآن الكريم.
وذكر المتحدث، بأنّ المدرسة القرآنية، تمنح الطفل الإيمان وأيضا اللغة السليمة، وقال “القرآن الكريم، يعطي التلميذ الأفكار والاستنتاجات والبراهين. وجميع التلاميذ الذين مرّوا على المدارس القرآنية، يمتلكون حظوظا أوفر من غيرهم، في إدراك الأشياء أسرع، وبامتلاكهم نسبة ذكاء أعلى”.
التعليم التحضيري القرآني مفيد للتلاميذ
والإشكال حسب مُحدثنا، “أن حفظ القرآن وولوج مدارسه، مقتصر على التعليم التحضيري فقط، ونحن نريد تواجده في جميع سنوات التعليم الإبتدائي، لأهميته في رفع المستوى التعليمي للتلميذ، ورفع مستوى المدرسة ككل”.
وأكّد فضيل أنه وأعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، سبق لهم المطالبة بإدراج تعليم وحفظ القرآن، في التعليم الإبتدائي، وعدم حصره في التعليم التحضيري فقط.
ومن جهته، اعتبر رئيس لجنة التربية والتعليم، والشؤون الدينية بالمجلس الشعبي الوطني، صالح جغلول، أن المدارس القرآنية لم تتوقف عن النشاط في الجزائر منذ الاستقلال، بل إن أهميتها في المجتمع تزداد يوما بعد آخر.
القرآن يمنح الطفل ثروة لغوية تدعم مساره الدراسي
وفسّر النائب البرلماني في تصريح لـ”الشروق”، تفوق التلاميذ من حفظة القرآن، مقارنة بغيرهم، وهذا حسب تأكيد خبراء في التربية، بأن “القرآن الكريم يمنح الطفل ثروة لغوية هائلة، تدعمه في مساره الدراسي”.
وأشار المتحدث، إلى أنّ المجتمع الجزائري “يقدّس المدارس القرآنية، سواء كانت كتاتيب صغيرة، أو أقساما تعليمية بمساجد، أو مدارس تابعة لجمعيات دينية، أو مدارس قرآنية عصرية، والدليل هو زيادة الإقبال على هذا التعليم سنة بعد أخرى”. وحسبه، بعض المدارس القرآنية، تمتلك إمكانات مادية عصرية، وتحرص على التعليم النوعي لتلاميذها، كما أن نشاطها لا يتوقف طيلة السنة، حتى خلال عطلة الصيف.
وأكّد جغلول، أن جميع المدارس القرآنية، تخضع لرقابة السلطات الوصية، وبعضها يتم الإشراف عليها مباشرة، وهو ما يجعلها “تسير دوما حسب التوجه العام للدولة، ولا تحيد عنه”. ودعا جغلول، إلى تحفيز التلاميذ لتعلّم القرآن الكريم، وجعله مادة تعليمية في مدارسنا.
حفظ القران يؤثر إيجابا على ذكاء الطفل ونفسيته وسلوكه
ويؤكد مدرب التنمية البشرية، كريم لخلف عبر “الشروق”، بأن جميع الدراسات العلمية الحديثة، أثبتت بأن حفظ القرآن الكريم يؤثر إيجابا على ذكاء الطفل ونفسيته وسلوكه، ويضمن النجاح والتفوق للتلاميذ، ويمكن ملاحظة ذلك في نوابغ البكالوريا. وقال “حفظ القران يصفي الذهن، ويقوي الذاكرة، ويحسن مستوى اللغة العربية لدى الفرد، ويمكنه من الخطابة، ويطور الإدراك والقدرة على الاستيعاب والفهم وتنظيم الوقت”.
واستشهد محدّثنا برأي للاستشاري في الأمراض النفسية، عدنان عاشور، الذي ذكر بأن القرآن يساعد على التحصيل العلمي، ويساعد على التركيز، وأن الذين يحرصون على حفظ ورد يومي من القرآن الكريم “يتعلمون قدرا من الجدية في حياتهم، ويتعلمون كيفية تنظيم حياتهم والتخطيط لمستقبلهم”.
وإلى ذلك، أكّدت أكثر من 70 دراسة أجنبية وإسلامية، وجود علاقة إيجابية بين حفظ القرآن الكريم، وارتفاع مستوى الصّحة النفسية لدى الطلاب، الخاضعين لهذه الدراسات، حيث تم التوصل إلى تفوّقهم بمقدار الحفظ على نظرائهم.
وأشار لخلف، بأنّ حفظ القرآن الكريم له فوائد عظيمة على الأفراد، من أهمها، صفاء الذهن والطمأنينة والاستقرار النفسي، والتخلص من الخوف والقلق، قوة اللغة العربية والمنطق، القدرة على بناء علاقات اجتماعية أفضل، وكسب ثقة الآخرين، التخلص من الأمراض المزمنة، إضافة إلى تطوير المدارك والقدرة على الاستيعاب والفهم.
بل إنّ حتى الاستماع إلى القرآن الكريم، له فوائد عظيمة على الجسم، حيث بين العلماء بأن خلايا الدماغ تكون في حالة اهتزاز دائم طيلة حياتها، وتهتز كل خلية بنظام محدد، وتتأثر بالخلايا من حولها، وأن كل نوع من أنواع السلوك ينتج ذبذبة معينة للخلايا، وتم التوصل إلى أنّ قراءة القرآن يصدر عنها أمواج صوتية بتردّد محدد، تؤثر إيجابا على خلايا الدماغ، وتعيد لها التوازن، وتمنحها مناعة كبيرة لمقاومة الأمراض بما فيها السرطان.
وخلُص محدثنا، إلى أن التمسك بالقرآن والمحافظة على تلاوته “يؤثر إيجابا على شخصية الفرد بصفة عامة، والتلاميذ بصفة خاصة، ويرفع نظامهم المناعي ويقيهم من الأمراض النفسية، ويساعدهم على النجاح واتخاذ القرارات الصائبة”. فالقرآن، هو طريق للإبداع والقيادة والسعادة والنجاح، بل والعبقرية أيضا.
بلغيث: حافظ القرآن يتعلم 79 ألف كلمة
ولم يستغرب الدكتور محمد بلغيث الأستاذ الجامعي في العلوم الإسلامية تفوّق حفظة القرآن في شهادة البكالوريا، لأن المجتمع الجزائري “مجتمع مسلم، ونجاح أفراده مرتبط بقيمهم، وهو ما يجعل العائلات تحرص على تعليم أطفالها منذ الصغر بالمساجد أو المدارس القرآنية”.
وقال محدثنا إن التلاميذ الذين يحفظون القرآن الكريم منذ الصغر، تتحقق لهم مستويات عالية جدا من النضج، ويمتلكون ثروة لغوية، خاصة من يلجون المدرسة التحضيرية في المساجد، وكشف، بأن الطفل الذي يحفظ القرآن في المرحلة التحضيرية، يمتلك في رصيده 79 ألف كلمة أو ثروة لغوية تساهم في تنمية فكره.
وكما يُنمي حفظ القرآن القدرات الذكائية للطفل، فإنه يمنح عقله مستوى من النضج، يجعله يتفوق في جميع المواد التعليمة، علمية كانت أو أدبية.
وقال بلغيث إن أمتنا المسلمة، تنتمي إلى حضارة تزخر بعلماء عظماء، كان لهم الفضل في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية وحتى الغربية، ومنهم العالم في الطب ابن سينا، الذي حفظ القرآن وعمره 10 سنوات، ما جعله يبدع في مجاله، وابن الرازي وابن رشد وغيرهم كثير من كبار العلماء، الذين بدأوا مسيرتهم العلمية في الطب والعلوم والآداب، بحفظ القران وقراءة كتب السنة والفقه.
وختم الدكتور بالقول إن نجاح أبنائنا من حفظة القرآن “شيء متوقع لأن قاعدتهم التعليمية كانت صلبة، ومؤسسة على الذكاء والنضج”، كما أن حفظ القرآن الكريم يصفي ذهن الطالب ويقويه، ويصقل أخلاقه، فيصبح التلميذ جادا في عمله مثابرا في دراسته، وليس غريبا إذا تحصّل على معدلات بين 17 و19 من 20 “.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.