الشيخ أبو بكر جابر الجزائري: الاتحاد أساس كل قوة!*** البصائر
الشيخ أبو بكر جابر الجزائري: الاتحاد أساس كل قوة!
2022-06-21
أد. مولود عويمر/
يجد القارئ في هذه السلسلة نصوصا قديمة متجددة حررها العلماء والأدباء الجزائريون حول قضايا عصرهم واهتماماتهم العلمية والأدبية والفكرية والسياسية الوطنية والعالمية. وحوت هذه النصوص المرجعية للفكر الجزائري المعاصر معينا غزيرا يغرف منه الباحثون المشتغلون على تاريخ الجزائر في القرن العشرين والدارسون لذخائر تراثنا. وألتزم هنا قدر الامكان بنشر الآثار المغمورة أو المتداولة بشكل محدود لننفض الغبار عنها ونحيي جهود أصحابها الذين لم ينصفهم دائما الباحثون لأسباب مختلفة. وأمهد في كل مرة بترجمة موجزة لصاحب النص، وبيان سياقه العام وعرض مختصر لمضمونه، وتعريف مقتضب للمصدر الذي اقتبست منه، وهي في غالب الأحيان عبارة عن جرائد ومجلات قديمة تعتبر في حد ذاتها وثائق مغمورة أو نادرة.
صاحب هذا المقال هو العالم الجزائري المعروف الشيخ أبو بكر جابر بن موسى بن عبد القادر. ولد في قرية ليوة بنواحي بسكرة سنة 1921. درس بالزاوية العثمانية بطولقة. كما تتلمذ على الشيخ نعيم النعيمي أحد أقطاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
انتقل إلى الجزائر العاصمة واشتغل بالتعليم في المدرسة الجلالية الحرة والدعوة والإرشاد إلى جانب الشيخ الطيب العقبي. وبقي أبو بكر وفيا لأستاذه العقبي إلى غاية وفاة هذا الأخير في عام 1960.
وفي عام 1948 نشر أبو بكر جابر كتابا في التربية والتوجيه المدرسي عنوانه: «مرآة التلميذ». وقد اطلعتُ على نسخة منه في المكتبة الوطنية بباريس في عام 1998. ويحتوي الكتاب تفسير سورة العصر، وشرح الحديث النبوي «إياكم والظن…»، وقصائد شعرية وقصصا وتوجيهات هادفة، وقد كتب له الشيخ أبو يعلى الزواوي تقريظا أشاد بمحتواه النفيس وصاحبه النحرير.
وساهم الشيخ أبو بكر في تأسيس جمعية شباب الموحدين، وإصدار جرائدها «الداعي» في سنة 1950، واللواء» في عام 1952. وكتب أيضا في جريدة «الإصلاح» التي كان يصدرها الشيخ الطيب العقبي.
وغادر الشيخ جابر الجزائر في عام 1953، واستقر في الحجاز طالبا للعلم في مكة والمدينة، ثم تفرغ للتدريس في المسجد النبوي وجامعة المدينة المنورة فيما بعد.
ورغم الغربة بقي الشيخ جابر على علاقة متينة بالجزائر، وتواصل مع الجزائريين. ولقد عثرتُ مؤخرا على رسالة له وجهها إلى مكتب جبهة التحرير الوطني بالقاهرة تكشف عن دعمه للثورة الجزائرية وجمعه التبرعات لها.
كما زار الجزائر بعد الاستقلال، وألقى عدة دروس ومحاضرات في المساجد، وكان يتابع باهتمام شديد أحوال الجزائر وتطور الأحداث السياسية والعلمية فيها.
وفي مجال البحث والكتابة، أصدر الشيخ مجموعة من الكتب ومن أشهرها: منهاج المسلم، عقيدة المؤمن، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، المرأة المسلمة، الدولة الإسلامية، الضروريات الفقهية، هذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، العلم والعلماء…الخ. وقد أعيد نشر معظم هذه الكتب في الجزائر في الثمانينات من القرن الماضي، وقررت بعضها على طلبة الدراسات الشرعية في الجامعات الجزائرية.
توفي الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في المدينة المنورة يوم الأربعاء 4 ذو الحجة 1439 هـ الموافق 15 أغسطس 2018م بعد صراع طويل مع مرض عضال.
نشر هذا المقال في جريدة «الإصلاح» لصاحبها الشيخ الطيب العقبي، في العدد 51 الصادر في 13 رجب 1366 هـ الموافق لـ 3 جوان 1947. وجريدة «الإصلاح» صدرت في مدينة بسكرة في 8 سبتمبر 1927. وهي جريدة أسبوعية تنشر في 4 صفحات، وقد اهتمت بإحياء الدين ونشر العلم والفضيلة والنهوض بالمجتمع. وقد تعرضت مرات عديدة لمضايقات إدارية وأزمات مالية، مما أدى إلى تعطلها عن الصدور 3 مرات (1930)، (1939)، (1948). وصدر منها في المجموع 73 عددا.
وساهم في تحريرها مجموعة من العلماء والأدباء والشعراء الجزائريين من أمثال: أبي يعلى الزواوي، محمد العيد آل خليفة، أحمد توفيق المدني، الأمين العمودي، عبد القادر محداد، محمد الطاهر فضلاء، محمد الحسن فضلاء، أبو بكر جابر الجزائري، بوحميدة إبراهيم، والشاعر التونسي محمد بوشربية، والكاتب التونسي محمد المهدي بن الناصر، والعالمين المغربيين عبد الله كنون ومولاي الطيب العلوي، ….الخ.
وكانت تنقل بعض المقالات والأخبار من الجرائد التونسية والمغربية والمصرية والتي تتعلق بنشاط الحركات السياسية والوطنية في هذه البلدان، وكذلك ما يتصل بالقضايا العربية الكبرى التي كانت تشغل الرأي العام العربي آنذاك.
الاتحاد من المفردات الأكثر ترددا في الخطاب الديني والسياسي، فالكل يريد الاتحاد وجمع الشمل وتقريب وجهات النظر حول القضايا الأساسية التي تمس المجتمع الجزائري في حاضره ومستقبله. وتطور الخطاب إلى تأسيس مشاريع وحدوية كجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عام 1931 فقد إتحدت النخبة العربية الجزائرية في هيئة علمية وحدت البرنامج الاصلاحي وحددت الأهداف وحققت نتائج ملموسة على أرض الواقع. وجاء المؤتمر الاسلامي في عام 1936 ليجمع مرة أخرى شمل الحركات السياسية والدينية والاجتماعية الجزائرية للضغط على الحكومة المركزية الفرنسية من أجل أن تستجيب لمطالبها المتعددة.
وفي عام 1944 تأسست جبهة وطنية أخرى في ظروف محلية ودولية استثنائية للمضي قدما في طريق الحرية فتمثل ذلك في حركة أحباب البيان والحرية التي جمعت كل القوى المؤثرة في المجتمع الجزائري التي قدمت مجموعة من المطالب المشروعة للحكومة الفرنسية.
غير أن كل هذه المبادرات السياسية لم تحقق دائما إلا جزءا يسيرا من أهدافها، لأن السلطة الاستعمارية كانت دائما تعتمد في مناوراتها السياسية على تفريق الصفوف وتمييع الجهود فضلا عن تشرذم الحركة الوطنية الجزائرية وصراع رجالها على الزعامة.
ويشير الشيخ جابر في هذا المقال إلى مبادرة أخرى دعا إليها الشيخ الطيب العقبي تمثلت في تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى لتوحيد جهود العلماء والأعيان الجزائريين وتسيير الشؤون الاسلامية في الجزائر بشكل مستقل عن الادارة الفرنسية، غير أن المشروع لم ينل القبول عند كل المعنيين بالأمر، ففشل المشروع رغم الحملة الواسعة التي قادتها بعض الصحف وعلى رأسها جريدة الاصلاح لإقناع قادة الرأي المسلمين في الجزائر بأهميته القصوى وتحرير الشأن الديني الاسلامي من هيمنة سلطة الاحتلال.
المجتمع الجزائري كان في حاجة ماسة إلى الاتحاد لمواجهة الاحتلال ومناوراته المختلفة، فبدون العودة إلى التضامن الوطني والتكتل بين القوى الحية في البلاد، فإن كل الجهود من أجل التحرر من الاستعباد والتخلص من الاستبداد ستؤول إلى الفشل، لذلك كان مبدأ الاتحاد كما جاء في المقال التالي أساس القوة، والقوة عنوان النصر. وقد ضرب الشيخ جابر أمثلة حية في هذا المعنى وهو يستشهد بانتصار الحلفاء الأوروبيين على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية بفضل الإتحاد بين فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.
*** *** ***
إذا نظر الإنسان وأمعن النظر في هذه القوات الحالية على اختلاف أنواعها وتباین أشكالها وتفاوت تأثيرها من (طاقة ذرية) ومراكب هوائية ودبابات برية وغواصات بحرية وما إلى ذلك يجد نفسه أمام هذه المبتكرات البديعة، والمختراعات العجيبة مغلوبة مقهورة قد ذهب كل ما بها من الاحساس والشهور.
ثم أنه إذا أجال فكره كما هي حالة الشدوه المتحير ليرى ما هذه المقدمات التي انتجت مثل هذه النتائج المدهشة التي استهلت بها الأيام على غير عادة، ولا سبق مثال.
رأى المقدمة في ذلك كله قوة الاتحاد الفولاذية، قوة التحالف والتضامن، قوة التعاضد والتكاتف تلك القوة التي نكست لها الأعلام، وطؤطئت لها الرؤوس؛ قوة لم تقف أمامها قوة ألمانيا العتيدة التي استبطنها الطمع وأرداها الجشع حتى وعدت العالم أجمع أنها في العهد القريب ستضع عليه قدمها، وتصبح سيدته الراحمة أو المعذبة كما تهوى و تشاء، وما تدري أن وراءها قوة الاتحاد والتحالف الجبارة، تلك القوة التي لا تزال إلى الآن – والله فاغرة فاها لالتهام کل قوة لا تساوي قوتها الساحقة وما تدري… ولعل الاتحاد رحم تتطوّر فيه القوة أطوارها حتى إذا تم تكوينها برزت كجند الله الأعظم متی اتجهت بلغت، ومتى قصدت وصلت، ومتی شاءت السيادة سادت، أو الامتلاك ملکت.
الاتحاد من البناء أساس، ومن النوم نعاس فهو المقدمة لكل مفعول، حتى في القضايا من القول، وها هو القرءان وربنا يقول: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا ولا تنازعوا فتفشلوا – فأجمعوا أمرکم وشرکاءکم ثم كيدونی». فأجموا كيدكم ثم ابقوا صفا، فلولا أن القوة في الإتحاد لما كان الله سبحانه وتعالى يأمر به وينهى عن ضده.
والاتحاد الذي هو بمعنى جمع الآراء والأصوات أساس في تكوين القوة لنا ولمن كان قبلنا، وجاء القرءان بذالك مبينا، فرعون أمر سحرته بأن يجتمعوا ويجمعوا- وبذلك نوح أمر، كما سبق آنفا وعبر؛ ومغزی ذلك تكوين القوة قوة الاتحاد الفعالة- وكثيرا ما أشار الله سبحانه وتعالى في القرءان إشارة لكل إنسان أن القوة تنتج عن الإتحاد، ولو خفي ذلك عن كثير من العباد.
أيها القارئي الكريم هل اليد الواحدة تعمل عمل اليدين الاثنتين؟ وهل حسن بأولاد الأم الواحدة أن يتفرّقوا ويختلفوا؟ والتفرق عنوان الخيبة في العمل، ولوائح عدم البلوغ إلى الأمل.
رحماك يالله بليت الجزائر الثكلى بتفرق أولادها، وبلي أولادها بداء الخلاف الممض والمرض العضال؛ يد السياسة زعزعت أركانها، وبمعاول الشر والفساد قضى عليها أبناؤها، إلى من نفزع في أمرها، إن كنت أنت المقدر عليها، ومن ذا يرد على الله القدر؟
لا ألوم القدر ولا ألوم الجزائر الخالدة في كونها لم تلد لنا زعيما يسير بأبنائها حيث عزهم وسيادتهم بل أنها ولدت زعماء كثيرين ولكن الذي قسم الجزائر ورمی با في هاوية الاستعمار الغاشم، وفرّق شتاتها ومزَّق أوصالها على أنياب کاشرة لا تعترف للإنسانية بحق، ولا القومية بقدر، هو جاذبية كل زعيم إلى ناحية، وهذا هو نجم النحوس الذي طلع في مساء الجزائر المحبوب … لأن الشيء الواحد طبعا إذا تجاذبته القوات إما أن يبقى على حاله خيرا كانت أو غير هذا إن اتزنت قوة الجذب أو يتقطع شذر مذر إن اختل اتزان قوة الجذب، وکلا الحالتين يسوآن الجزائر العزيزة.
ومن الأسف أني قد حضرت اجتماعا عاما بالعاصمة – فإذا بأحد أبطال الجزائر وزعمائها العظام رافعا صوته بالتأوه يبكي الاتحاد ويتأسف من التفرق والاختلاف يدعو إلى جمع الكلمة، يدعو ويلح في دعائه وكأنما هو يشير إلى المباهلة، والابتهال (آية في قطع النزاع) فسرنا ذلك كثيرا وكأني بالداعي هو صاحب هذه الجريدة أعزه الله وأبقاه فترقبنا ذلك بفارغ صبر وذهبت تلك الصرخات العظيمة أدراج الرياح كأن زعماءنالم تقرع آذانهم تلك الصيحات الحنينة أم خالوها نداء موجها إلى غيرهم فلا ذاك ولا غيره؛ بل لم يرد الله هداية الكل إلى جنة الاتحاد العالية واستنشاق ريحه الطبية فقاتل الله الخلاف ما أمره ..!
إلى من أوجِّه لومي وصدري محتدم غيظا ألوم الأيام فمالك أيتها الأيام لم تجمعي زعمائنا في يوم من أيامك للمفاوضة في أسباب الخلاف وقطع جذورها واقتلاعها من نفوس أمتنا الضعيفة التي صارت لقمة مستساغة لكل قوي وضعيف- إن لم تجمعيهم فإنك أنت التي قضيت عليهم القضاء النهائي ولا نشكوك إلا لبارئك لأننا نعلم أن الإتحاد أساس كل قوة وها هو قول الشاعر فاقرئيه وتأملي:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب فلا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا
الشيخ أبو بكر جابر الجزائري: الاتحاد أساس كل قوة!****
من تراثنا
الشيخ أبو بكر جابر الجزائري: الاتحاد أساس كل قوة!
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.