فضاءات جنين بورزق

جنين بورزق

فضاء التربية والتعليم

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 3377.7
إعلانات


“البكالوريا” ليست النّهاية

“البكالوريا” ليست النّهاية

طالبة تموت إثر سكتة قلبية، بعد أن أجابت عن تمرينين من موضوعين مختلفين.. إغماءات وبكاء هستيري بسبب صعوبة امتحان الرياضيات… هذه كانت بعض العناوين التي تمّ تداوُلها خلال الأيام التي جرى فيها امتحان البكالوريا.. ولم يختلف الأمر عند ظهور النتائج يوم الثلاثاء الماضي، حيث تداولت مواقع التواصل أخبار الإغماءات والبكاء الهستيري في أوساط كثير من الطّلبة الذين أخفقوا في الامتحان، وحتّى من نجحوا بمعدّلات غير مرضية.

البكالوريا امتحان مهمّ، ومن واجب أبنائنا أن يهتمّوا به، ويجدّوا ويجتهدوا للنّجاح فيه، ويتنافسوا في الظّفر بأفضل المعدّلات، ولو لم يكن من حسنات النّجاح في هذا الامتحان، إلا أنّه يؤخّر الانضمام إلى طوابير البطالة، ويَحول بين كثير من شبابنا وبين الهويّ إلى درك السّموم والمهلكات، لكان ذلك كافيا.. لكن أن يصلّ الأمر إلى حدّ النّظر إليه على أنّه “امتحان مصيريّ” واعتبار الإخفاق فيه “نهاية” مؤسفة يستحقّ صاحبها التعزية، هذا إن لم يعزّ فيه أهله! فهذه مبالغة لا يقرّها دين ولا عقل.

حالات الاستنفار التي تعلن في البيوت قبيل البكالوريا، قنينات الماء التي يطاف بها على أئمّة المساجد والرّقاة! سيارات الإسعاف والحماية المدنية المركونة في ساحات مراكز الامتحان، وسائل الإعلام التي تجعل امتحان البكالوريا يحتل صدر أخبارها وتقاريرها، آلاف المنشورات التي تتحدث عن البكالوريا كأنها حدث كوني، الليالي الصّاخبة التي تحييها الأسر التي نجح أبناؤها في البكالوريا… كلّ هذا وغيره، يدلّ على أنّنا قد رفعنا هذا الامتحان إلى كونه امتحانا مصيريا يتحدّد به مستقبل الطّالب، مع أنّ الجميع -حين يثوبون إلى عقولهم- يقرّون بأنّه امتحان تتاح منه فرصة ثانية وثالثة، وعاشرة، وفي إمكان الطّالب الذي لم يوفّق في الفرصة الأولى، أن يوفّق في الثانية أو الثالثة، وهكذا.. هذا فضلا عن أنّنا جميعا نقرّ بأنّ النّجاح في هذا الامتحان فرصة من بين فرص أخرى كثيرة تتاح للشابّ لبناء مستقبله، وحتّى البناء المعرفي والثقافيّ لا يعدّ النّجاح في البكالوريا بابه الأوحد.. كم من طالب تأخر حصوله على البكالوريا عامين وثلاثة وأكثر، ومع ذلك كان توفيقه في أبواب أخرى أسرع وأفضل ممن نجحوا في أول فرصة! وكم من شاب لم يفتح له باب البكالوريا؛ فتحت له أبواب أخرى سعد بها واطمانّ ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.

هذا لا يعني أبدا أنّنا نهوّن لأبنائنا الطّلبة من قيمة الامتحان ونحرّضهم على الاستهتار به، إنّما المقصود أن يقدّم أبناؤنا ما في وسعهم من أسباب من دون مبالغة، ويتعاملوا مع النتيجة بكلّ عقلانية، والأهمّ من ذلك أن يتعاملوا معها بما يمليه عليهم دينهم.

امتحان البكالوريا جزء من امتحان أعمّ وأشمل وأهمّ يخوضه كلّ إنسان في هذه الحياة.. وامتحان الحياة بشموله امتحان مصيريّ يتحدّد به مصير كلّ عبد في دار باقية لا تفنى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾، وليس يليق بمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقتل نفسه حسرة لأجل امتحانٍ خسارتُه يمكن أن تعوّض، ثمّ هو -في المقابل- لا يهتمّ بامتحان الحياة المصيريّ الذي لا تُعوَّض خسارته.. كثير من أبنائنا لا يولّون وجوههم قبل الكعبة المشرّفة، ولا يحنون جباههم لخالقهم، اللهمّ إلا في الأيام والأسابيع القليلة التي تسبق امتحان البكالوريا، ومع ذلك لا يجد الواحد منهم حرجا في نفسه ولا حسرة في داخله، لأجل أنّه يسير على طريق سيؤدّي به الاستمرار عليها إلى خسارة أعظم وأضرّ من خسارة امتحان البكالوريا.. إنّنا نفرح غاية الفرح حينما نرى أكثر المتفوّقين في امتحان البكالوريا، هم من بناتنا وأبنائنا المحافظين على دينهم وسَمتهم، الحريصين على الصّلاة وعلى حفظ القرآن، وفي الوقت ذاته نحزن لحال كثير من النّاجحين الذين يفرحون بالبكالوريا وهم من المصرّين على عدم الاكتراث بدينهم! من حقّ أبنائنا أن يفرحوا بالنّجاح في هذا الامتحان، ومن واجبنا أن نفرح لفرحهم ونبارك لهم، لكنّ هذا ينبغي ألا ينسينا علاقة أبنائنا الطّلبة بدينهم وأمّتهم، ومدى اهتمامهم بامتحان الحياة المصيريّ.

افرحوا أبناءنا بفضل الله عليكم، لكن لا تنسوا صلواتكم التي أقمتموها، ودعواتكم التي رفعتموها، قبل الامتحان وبعده.. اشكروا الله وانسبوا إليه الفضل الأوّل، ولا تكونوا من الجاحدين، ولا تقابلوا النعمة بالكفران والعصيان، فتكونوا كمن قال الله فيه: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾.. اشكروا الله بألسنتكم وأفعالكم، وليكن هذا النّجاح بداية لكم على طريق الجدّ والاجتهاد والاستقامة والجدية.. ليكنِ الجمع بين الحسنيين هدفكم؛ النّجاح الدنيويّ والنّجاح الأخروي، والجمع بين النّجاحين ممكن لمن اهتمّ وحرص، ولكم في إخوانكم المتفوّقين أسوة، والله الموفّق.

سلطان بركاني

2022/07/18


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة