فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1771.15
إعلانات


عرفة يوم القدر

عرفة.. يوم القَدْر؟!

 

سلطان بركاني

2022/07/06

 

يُبدي أكثر المسلمين اهتماما كبيرا بليلة القدر التي يرجَّح أنّها إحدى ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان، وأنّها تتنقّل بين هذه اللّيالي كلّ عام، ويجتهد كثير منهم في تحرّيها لرفع الدّعوات وبثّ الهموم والأمنيات وطلب الحاجات.. وهي ليلة تستحقّ أن يجتهد العبد المؤمن ليالي العشر كلّها لإدراكها، بل تستحقّ أن يجتهد رمضان كلّه للظّفر ببركتها.. لكنّ كثيرا من المسلمين في المقابل يغفلون عن يوم الميثاق ويوم العتق الأكبر؛ يوم عرفة، ولا يتعدّى اهتمامهم صيامه رجاء أن تغفر لهم ذنوب سنتين: ماضية وآتية.

الحقّ أنّ يوم عرفة، يستحقّ أن يَجتهد العبد المؤمن أيام العشر كلّها، لإدراك فضله الذي يتجاوز مغفرة ذنوب سنتين، إلى تحصيل خير وبركة لا يعلم مداهما إلا الله؛ فهو يوم العتق الأكبر، والدّعاء فيه أفضل وأنفع وأرجى وأقرب إلى القبول من الدّعاء في سائر اللّيالي والأيام، بخلاف ليلة القدر، يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “خير الدّعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” (رواه الترمذي). ويختلف الدّعاء في يوم عرفة عنه في ليلة القدر، أنّ محلّ الدّعاء في يوم عرفة هو ساعات النّهار، خاصّة ساعات ما بعد الزّوال التي تمتدّ بين أذان الظّهر وأذان المغرب، بينما محلّ الدّعاء في ليلة القدر هو ساعات الليل التي تمتدّ بين أذان المغرب وأذان الفجر الثّاني.. ساعات أمسية عرفة، ساعات غالية، أثمن من ذهب الدّنيا وأموالها، كيف لا والدّعاء فيها يخترق حجب القلب، ويخترق حجب السّماء، ويأذن الحنّان المنّان بإجابته، ما لم يتلبّس الدّاعي بمانع من موانع الإجابة، كأكل الحرام، أو القطيعة مع الجيران والخلان والأرحام.. والباب الذي يفتح في يوم عرفة، لا يختصّ بالحجّاج والقائمين على صعيد عرفات، إنّما يشمل كلّ مسلم صام وتذلّل لله وتمسكن ورفع يديه باكيا يعترف بذنوبه ويرجو رحمة ربّه وفضله.. وقد ثبت أنّ السّلف كانوا يدّخرون حاجاتهم ليوم عرفة، لِما يعلمون من فضل الدّعاء في هذا اليوم وتفتُّح أبواب السّماء ودنوّ الحنّان المنّان برحمته وفضله ونظره إلى المتذلّلين والدّاعين من خلقه على صعيد عرفات خاصّة، ومباهاته ملائكته بعباده الخاضعين الخاشعين في ذلك الموقف، فعن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما مِن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء” (رواه مسلم).. ولا يبعد أن يعمّ الحنّان المنّان -سبحانه- بهذا الفضل العظيم والشّرف المنيف سائر عباده المؤمنين، من الحجّاج ومن غيرهم، خاصّة مَن حال العذر بينهم وبين الحجّ.

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفات، وكادت الشمس أن تؤوب، فقال: يا بلال! أنصت لي الناس، فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنصت الناس، فقال: “معاشر الناس، أتاني جبريل آنفًا، فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات”، فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، هذا لنا خاص؟ فقال: “هذا لكم، ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة”، فقال عمر رضي الله عنه: “كثر خير الله وطاب”.

لأجل هذا، فيوم عرفة، يوم الميثاق ويوم العتق الأكبر، يستحقّ أن يسمّى يوم القدْر، ليس من تقدير المقادير، إنّما بمعنى الشّرف العظيم والمكانة العالية، وأيّ شرف أعظم من أن يكون العبد في زمرة من يباهي الله بهم الملائكة ويقول لهم: اذهبوا فقد غفرت لكم.

لهذا كان حريا بكلّ عبد مؤمن أن يتعرّض لنفحات هذا اليوم العظيم من أيام الله، يوم العتق الأكبر؛ يوم الدنوّ والمباهاة وتنزّل العطايا والهدايا والرّحمات، ويجعل فرص هذا اليوم السّانحة بين عينيه، ويهيّئ قلبه قبل لسانه، ودموع عينه قبل كلماته، ويفرّغ نفسه ولو ساعة من أمسية يوم عرفة، يخلو فيها بنفسه ما استطاع، ويتذلّل ويتمسكن ويبكي وهو يستشعر أبواب السّماء المفتّحة، ودنوّ البارئ سبحانه، ويقرّ بذنوبه وتقصيره وسوء فعاله، ويدعو ربّه أن يقيل عثراته ويستر عوراته ويهب له غدراته وفجراته، ويأذن بعتق رقبته من النّار، ومغفرة ذنوبه وأوزاره، وكتابة اسمه في سجلّ المرضي عنهم الأبرار.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة