الطفل المقدسى والمستوطن
ربما يشعر الإسرائيليون وتحديدا قادتهم بالسعادة والزهو بزعم انتصار مسيرة الأعلام فى القدس الشرقية، واقتحام نحو 8 آلاف مستوطن حائط البراق بالمسجد الأقصى تحت سمع وبصر الجيش الإسرائيلى الذى يزعم أنه من أقوى الجيوش.. ولكن يكفى صورة واحدة بثتها وكالات الأنباء العالمية وفيها طفل مقدسى يصفع مستوطنا ويلكمه لكمة جعل المستوطن يترنح.. الطفل استمد قوته من يقينه بحقه فى الأرض، فى حين كان المستوطن هشا لضعف حجته، ولكنه شارك فى مسيرة استيطانية لا يستطيع السير فيها بمفرده إذ يعتمد على حماية الجيش. هذا المستوطن المغتصب أدرك وقتها مدى قوة الفلسطينيين أمس واليوم وغدا، وإن كان لن ينقل خبرته هذه لأسرته وأقرانه لحين أن تنالهم الصفعات واللكمات.
مشهد آخر لن ينساه الإسرائيليون وهم يشاهدون طائرة درون فى سماء القدس تحمل علم فلسطين بينما كان الكنيست الإسرائيلى يناقش قانون يحظر رفع الأعلام الفلسطينية.. المشهد استمر لدقائق حتى تم إسقاط الطائرة، ولكن العلم ظل يرفرف فى السماء ليدرك الإسرائيليون حقيقة مهمة وهى أن فلسطين باقية.
ربما مشاهد بسيطة ولكنها تؤكد مدى عزيمة الفلسطينيين وإصرارهم على حماية المسجد الأقصى، فقد باغتهم زمن وجدوا فيه أنهم يقاتلون بمفردهم بعد أن كان العرب والمسلمون يحاربون معهم بالروح وبث العزيمة فى قلوبهم عبر اندلاع المظاهرات فى كل المدن العربية تنديدا باقتحام المستوطنين للأقصى.. هذه المظاهرات كانت تثلج قلوب الفلسطينيين والمقدسيين، ولكن حتى بارقة الأمل هذه ذهبت أدراج الرياح. من يقترب من الشعب الفلسطينى يدرك أن الأمل باق، فهم أصحاب الأرض ويملكون التاريخ والعقود، وكلها محفوظة فى أماكن آمنة، فى قلوب الفلسطينيين وعقولهم قبل أن تكون مخزونة فى مواقع لا تصل إليها الأيدى الإسرائيلية..فالإسرائيليون سرقوا الأرض واغتصبوها ولكن فشلوا فى اغتصاب (حجج ملكية الأرض). ينتصر الإسرائيليون بأسلحتهم الأمريكية فى الصراع العسكرى الدائر على الأرض، ولكنهم يخسرون معركة الوعى منذ 1948، وهى المعركة الأهم فى حرب استعادة الأرض والكيان والقدس والأقصى بالكامل. ولعل كل القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم شيمون بيريز أحد أكثر غلاة الإسرائيليين، اعترف بلسانه بهزيمة إسرائيل فى معركة الوعى أمام الفلسطينيين، ليس فى حرب أو معركة محددة، وإنما فى كل مواجهة تتم بين الطرفين. فالأرض تنتصر لصاحبها فى النهاية والفلسطينى سينتصر لحقه فى مواجهة الوهم الإسرائيلى.