د- سلطان بركاني// رسالة عاجلة إلى تارك الصّلاة ومضيّعها!
رسالة عاجلة إلى تارك الصّلاة ومضيّعها!
2022/05/27
ونحن نعيش أياما يطول نهارها ويقصر ليلها، ويتراجع فيها وقت صلاة الفجر ليبتعد عن وقت العمل والدراسة بأكثر من 4 ساعات.. ونحن نقترب من أيام العطل، وأيام الأعراس والأفراح.. لعلّه من المناسب أن نعود للحديث مرّة أخرى عن أهمّ ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين، عن الصّلاة التي أضاعها كثير من المسلمين في هذا الزّمان، فضعفت أنفسهم أمام الشّهوات، وضاقت معايشهم، ونزعت البركة من أرزاقهم، واستولت الدّنيا على قلوبهم، وامتلأت صدورهم بالهموم والأحزان، وعشعشت الدنيا في قلوبهم، وتسلّطت عليهم الأمراض النفسية، وضاع أبناؤهم وتمردت بناتهم.. ?فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا?.
إنّ حال أكثرنا مع الصّلاة، لا تسرّ ولا تبشّر بخير؛ بيوت مسلمة جُلّ أفرادها لا يصلّون.. شباب في العشرينات والثلاثينات وحتّى الأربعينات لم يسجدوا لله سجدة، ولم يدخلوا بيت الله ولو مرّة.. بيوت يستيقظ فيها الوالدان للصّلاة بينما الأبناء والبنات نيام لا يتحرّكون لنداء الحقّ.. أكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم في هذا العالم بينهم عشرات الملايين -بل ربّما المئات- لا يصلّون!
قبل أقلّ من قرنين من الزّمان، لم يكن يُتصوّر أو يقبل أن يوجد في الأمّة مسلم بالغ لا يصلّي، والآن أصبح ترك الصّلاة أمرا عاديا لا يدعو إلى النّكير والاستهجان.. وحتّى بين مئات الملايين من المسلمين الذين يولّون وجوههم شطر المسجد الحرام، هناك عشرات الملايين يضيّعون صلواتهم، فيصلّون بعض الصلوات ويؤخّرون أخرى.. وهناك من يصلّون لكنّهم لا يصلّون: لا يتمّون الرّكوع ولا السّجود.. أمّا الخشوع فهو الفريضة الغائبة إلا ما رحم الله.. مساجد تبنى واسعة فسيحة وتنفق على تشييدها الأموال الجزيلة وتزخرف، لكنّها لا تمتلئ إلا في الجمعات والأعياد!
عباد مسلمون يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر؛ لكنّهم لا يرفعون بالصلاة رأسا ولا يعيرونها اهتماما ولا يعبؤون بمواقيتها ولا يكترثون بتركها، ويُعرضون وهم مستكبرون عمّن ينصحهم بالمحافظة عليها.. لا يصلّي الواحد منهم حتّى يفرغ من مشاغل الدّنيا كلّها، وحتى ينفضّ مجلس اللغو الذي يقبع فيه.. يجلس في المقهى فيسمع الأذان ينادي “الله أكبر، حي على الصلاة، حي على الفلاح” فلا يتزحزح من مكانه ولا يتحرّك قلبه، وكأنّ الأذان لا يعنيه… والمفارقة أنّنا بعد كلّ هذا نتساءل عن سُحب الهموم والغموم التي تملأ القلوب؟ وعن الضّيق الذي يخنق الصّدور، وعن كثرة حالات الانتحار؟ نتساءل عن كثرة حالات الطلاق وعن الشقاق بين الوالدين والأبناء وبين الإخوة والأخوات؟ نتساءل عن ضياع الأبناء والبنات وتهافتهم على الشهوات وعكوفهم على التوافه والملهيات؟ ?فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا?.
هذه الكلمات التي أسطرها في هذا المقال، لا أريد لها أن تبقى حروفا لا تتجاوز الأعين التي تقرؤها، إنّما أردتها صيحة نذير تخاطب القلوب، دعوة أولى للتوبة من هذا المنكر الوبيل الذي يصرّ عليه كثير منّا، ودعوة ثانية للالتفات إلى أبنائنا وبناتنا الذين لا يصلّون، ومراجعة حال زوجاتنا وأبنائنا وبناتنا الذين أصبحوا كأنّ صلاة الفجر لا تعنيهم!
هو نداء عاجل أوجّهه إلى من يصلّون يوما ويتركون الصّلاة أياما.. إلى عباد لله يصلّون متى ما كانت جيوبهم ممتلئة، ويتركون الصلاة إذا فرغت جيوبهم واعترتهم الهموم وأثقلتهم الديون، أو العكس.. إلى ذلك المسلم الذي ينام عن صلاة الفجر بحجّة التّعب، وذاك الذي يضيّع صلاته ويؤخّرها عن وقتها بحجّة أنّ ثيابه متّسخة! إلى ذلك المسلم الذي يضيّع صلاته بحجّة الانشغال بخبزة الأبناء! إلى تلك المسلمة التي تؤخّر صلاتها لانشغالها بحلقة مسلسل أو حياءً من الضيوف.. إلى من يضيّع صلاته بحجّة المرض، في وقت هو أحوج ما يكون إلى الصلاة!
نداء من القلب أتمنّى أن يصل إلى القلوب ونحن نقترب من موسم الأفراح والأعراس، حيث تضيَّع الصّلوات حرصا على المظاهر.. حيث مواكب الأعراس التي تنطلق عند الأذان ولا تنتظر ربع ساعة يؤدي فيها عباد الله حقّ الله في أوّل وقته.. حيث الأعراس التي تضيّع فيها زوجاتنا وبناتنا الصّلاة يوما كاملا وربّما أياما متتابعة، حفاظا على زينتهنّ؛ تترك الواحدة منهنّ الصّلاة حتّى لا تفسد “الماكياج” الذي تضعه على وجهها ويديها، وحتّى لا تفسد تسريحة شعرها!
أخي المسلم.. يا من تتهاون بصلاتك.. يا من تتعامل مع صلاتك كأنّها شيء زائد في حياتك.. هل تعلم أنّ تأخير صلاة واحدة حتّى يخرج وقتها من دون عذر، كبيرة من أعظم الكبائر؟ هل تعلم أنّ إضاعة الصّلاة أعظم عند الله من الزّنا والرّبا وقتل النّفس؟ يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “لا يختلف المسلمون أنّ ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأنّ إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرّض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة”. فأيّ خطر يتعرّض له عبد مسلم يقترف كلّ يوم كبيرة هي أعظم الكبائر بعد الشّرك بالله.. يقول الله تعالى: ?فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ?، ويقول سبحانه: ?فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا?.. أ تدري أخي المسلم ما الغيّ؟ إنّه نهر في جهنم بعيدٌ قعره خبيثٌ طعمه، جهنم نفسها تستعيذ بالله من حَرِّه.
أخي المسلم.. يا من تصرّ على تأخير الصّلاة عن وقتها.. يا من تجمع صلواتك في آخر اليوم.. أرجو أن تركّز معي وتتدبّر معي هذه الحقيقة التي ربّما تصدمك: هل تعلم أنّ الصّلاة التي جعلها الله كتابا موقوتا، قد بلغت من أهميتها أنّها لا تسقط عن العبد إلا بالجنون أو العذر الشّرعيّ بالنسبة للمرأة؟ هل تعلم أنّ الله لم يسقط الصّلاة عن المجاهد الذي يحمل سلاحه بيده وعدوه أمامه يراه بعينه؟ هل تعلم أنّ الله شرع صلاة الخوف، لتصلّى في حال مواجهة العدوّ، قال تعالى: ?وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا?.. هل تساءلت: لماذا يفرض الله الصّلاة على من يحمل روحه في كفّه والموت قريب منه؟ هو لا يقاتل دفاعا عن ماله أو أهله، إنّما يقاتل في سبيل الله، ومع ذلك لم يتجاوز الله له عن الصّلاة، بل أمره بأدائها بهيئة خاصّة.. ليس هذا فحسب، بل لو اشتبكت صفوف المسلمين بصفوف العدوّ، وخشي المسلمون خروج وقت الصّلاة، فإنّه يجب عليهم أداؤها ولو من غير وضوء ومن دون تيمّم ومن دون توجّه إلى القبلة، وبلا ركوع ولا سجود.. المهمّ أن يتّصل القلب بالله، ويستحضر أهمية الصلاة لوقتها.
هل تعلم أخي قارئ هذه الكلمات أنّ الصّلاة هي العبادة التي لا تسقط عن المريض مهما بلغ مرضه، ما دام يعقل.. يصلّيها قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب.. يتوضّأ، فإن لم يستطع تيمّم، فإن لم يمكنه التيمم صلّى من دون تيمّم.. يزيل النجاسة عن بدنه وثوبه، فإن لم يستطع صلّى بالنجاسة، ولا تسقط عنه الصّلاة أبدا؟
يتبع بإذن الله…
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.