الجزائرمتيجة الجنوب” في خطر.. موت مُبرمج لسهل العبادلة ببشار
الجزائرمتيجة الجنوب” في خطر.. موت مُبرمج لسهل العبادلة ببشار
تعطل منظومة السقي ينذر بالكارثة
“
ن. مازري---/ للشروق
2022/05/23
لم يجد الفلاحون الناشطون في سهل العبادلة بولاية بشار، أي تفسير للوضعية الكارثية التي آلت إليها عديد الأراضي الفلاحية بثاني سهل أنجز في الجزائر بعد سهل متيجة، وواحد من المشاريع التنموية الزراعية الكبرى الذي أنجزته الدولة سنة 1971، وأوكلت مهام تجسيده لشركة أمريكية، ووفرت له كافة الإمكانات لاستغلاله من خلال تهيئته، وربطه بسد جرف التربة الذي أنجز في تلك الحقبة الزمنية لتزويد هذا السهل بمياه السقي على طول السنة، إنه سهل العبادلة الذي اشتهر بخصوبة أراضيه، وجودة إنتاجه من محاصيل القمح، والشعير، وأنواع الخضروات إلى غاية التسعينيات، لتصبح وضعية الآلاف من الهكتارات، تبكي حالها، وتعكس واقعا مرا، كشف النقاب عن الإهمال الذي طال سهلا فلاحيا، سبق للدولة الجزائرية أن راهنت عليه، ليكون قطبا فلاحيا من شأنه أن يُحررها من قيود تبعية فاتورة استيراد الحبوب، ويغني المنطقة عن تبعية التموين الذي لازالت تجود به عليها ولايات بالشمال، وأخرى بأقصى الجنوب، واقع جعل الكثير من فلاحي العبادلة، يتساءلون وبعنوان عريض “من يتحمل المسؤولية التاريخية لهذا الواقع المر بسهل العبادلة؟”.
جهود تذهب سدى
وفي الوقت الذي أصبحت تنتهج فيه الدولة سياسة واضحة، لتشجيع الإنتاج الفلاحي كحتمية لتعويض الاعتماد على ثروة البترول الزائلة، يأسف الفلاحون الذين بذلوا جهدا كبيرا في زراعة آلاف النخيل التي كلفتهم رعايتها سنين من عمرهم، لحالهم ووضعهم المزري، وهم يرون كيف تتلاشى أمام أعينهم هذه المجهودات، جراء شح المياه، وتوقف نظام السقي الذي قارب صموده أمام كل العوامل المناخية خمسين سنة، نظام سقي بكل المقاييس استنزف إنجازه الملايير في تلك الفترة، وتحول اليوم إلى أطلال، بل إلى بداية العد التنازلي لاندثار مشروع سمي قبل أربعين سنة بمتيجة الجنوب، بحيث ظل هذا النظام بطول مئات الكيلومترات، ينساب بين آلاف الهكتارات بسهل العبادلة الذي لازال ينتظر وعود عدد كبير من المسؤولين الذين وقفوا على وضعيته الكارثية خلال عديد الزيارات التفقدية، واكتفوا بوعود لازالت حبرا على ورق، في وقت فشل فيه نظام السقي الذي تشققت سواقيه وغمرتها الرمال، والأتربة والأعشاب وسط سهل أرضه من ذهب، والماء على مرمى حجر منه بسد جرف التربة، وشباب عاطل، ينتظر تجسيد وعود هؤلاء المسؤولين منذ عقود، ووصول مياه سد جرف التربة عبر سد الزقاقات الذي لازال مشروع إنجازه يراوح مكانه منذ 2006، ويُثير جدلا كبيرا.
وعود تسقط في الماء
وفي ظل شح المياه، والجفاف الذي ضرب منطقة الجنوب الغربي، أعرب الكثير من الفلاحين عن أسفهم، جراء ما وصفوه بتأخر تدخل الجهات المسؤولة عن الفلاحة، وتجاهلها لوضعية الأراضي الفلاحية بالسهل، وبداية العد التنازلي لموت مبرمج لآلاف النخيل التي ظلت تنتج عدة أنواع من التمور، وتساءلوا عن مصير تلك التصريحات التي سبق التي أطلقها عديد الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الفلاحة، وعن وعودهم خلال زيارات سابقة، بإعادة الاعتبار لنظام السقي الذي لازال على حاله دون وصول مياه سد جرف التربة للسهل، واقع لم يجد له هؤلاء الفلاحين أي تفسير، مطالبين وزير الفلاحة، بالوقوف على الوضعية الكارثية التي آل ليها سهل العبادلة، وفتح تحقيق حول مشروع إعادة تأهيل نظام السقي، وإيجاد حل للملوحة، وهو المشروع الذي بات يعري فضيحة استنزاف الأموال على مشاريع غير مجدية، بل وصفوها، بالاستخفاف بحجم هذا السهل، مشروع كلف الدولة مئات الملايير، لازال الكثير من الفلاحين يرفضونه باعتباره مشروعا تجاهل الأراضي التي غزتها الملوحة والأعشاب الضارة وقضت على آلاف النخيل، معطيات جعلت الكثير، يصر على صرف الأموال، على إعادة الاعتبار لقنوات السقي القديمة، والأراضي الخصبة المهملة، والتصريح لهم بحفر مناقب مائية عوض الآبار التي لا تجدي نفعا، والإسراع في عملية إنجاز سد الزقاقات لإيصال مياه سد جرف التربة الذي أنجز خصيصا لسقي سهل العبادلة، وتم تحويل مياهه لتأمين بلدية بشار بمياه الشرب قبل عقود من الزمن.
إلى ذلك، طالب الفلاحون، بضرورة تدخل عاجل لوزير الفلاحة، للوقوف على حجم الإهمال الذي طال الأراضي الفلاحية وقنوات نظام السقي بسهل العبادلة، وبإعادة الاعتبار لهذا السهل الذي صرفت عليه الدولة أموالا باهظة منذ سنة 1971 وتحولت أراضيه إلى حقول للأعشاب الضارة، وعرضة إلى صعود الملوحة.
رهان على سد بوسير
“الشروق اليومي”، تنقلت إلى مكتب مدير الري، والموارد المائية ببشار، لمعرفة الأسباب التي لازالت تحول دون الترخيص للفلاحين بحفر التنقيبات المائية بسهل العبادلة، أين أفاد “خديم علال” مدير الري، بأن القانون يمنع حفر المناقب بالمساحات المسقية، مُضيفا بأنه، وبالرغم من وضوح قانون الحفر المذكور، لم تتلق مصالحي أي طلب من قبل هؤلاء الفلاحين منذ أكثر من سنتين مرت على تنصيبي ببشار، موضحا أن سهل العبادلة شهد تسليم مشروع إنجاز قنوات السقي، بتكلفة مائتي مليار سنتيم، إلا أن الوضعية المائية الحالية بسد جرف التربة، لا تسمح بتخصيص حصص مائية لسقي أراضي سهل العبادلة، ذلك أن الجميع يدرك جيدا أولوية تأمين حاجة سكان بشار اليومية من المياه الصالحة للشرب، معطيات يُضيف مدير الري والموارد المائية ببشار، تفرض حتمية تخصيص الكمية المتواجدة حاليا بالسد، لسد حاجة نسبة كبيرة من سكان كل من بلديات القنادسة – بشار – العبادلة – عرق فراج – مشرع هواري بومدين، مذكرا بالجفاف الذي ضرب المنطقة طيلة تسع سنوات كاملة، وأثر بشكل كبير على الآبار، بما في ذلك سد جرف التربة الذي بلغت فيه نسبة الطمي مائة مليون متر مكعب.
من جهته مداح عبد الجبار، مدير الديوان الوطني للسقي، وصرف المياه بالعبادلة، أفاد خلال لقائه بالشروق اليومي، بأن مصالحه غير مرخصة بالتصريح لهؤلاء الفلاحين بحفر تنقيبات مائية، في ظل قانون يمنعها بالمحيطات المسقية، مُضيفا بأنه ومنذ 15 من شهر أفريل 2021، أوقفنا عملية السقي بمياه سد جرف التربة، لإعطاء الأولوية لتوفير مياه الشرب لسكان البلديات المذكورة.
يومية “الشروق”، كان لها لقاء مع عدد كبير من المواطنين، والفلاحين الذين طالبوا بالإسراع في تسليم مشروع مياه جلب المياه من منطقة بوسير ببني ونيف، مذكرين بتصريحات عدة وزراء، سبق لهم خلال زيارات ميدانية لولاية بشار، ووقفوا على سير أشغال هذا المشروع الحلم، وأكدوا للسكان والفلاحين، بأن سد جرف التربة، ستتحول مياهه لسقي سهل العبادلة، فور استلام مشروع بوسير، لتستمر بذلك معاناة الفلاحين بسهل العبادلة، إلى غاية استلام المشروع الذي لازال وصول مياهه إلى بشار، مرهونا بوصول مضخات الدفع الأربع من خارج الوطن.