الاستغفار بعد العمل!!
الاستغفار بعد العمل!!
مع اجتهاد المكلّف في شتى العبادات، إلّا أنه قد يحدث معه بعض التقصير في صيام أو صلاة أو حجّ، لذلك حثّ الشّارع الحكيم على الاستغفار عمّا وقع من إخلال أو تفريط، فقد ورد عن أبي هريرة قوله: يغفر فيه إلّا لمَن أبى، قالوا: ومن يأبى يا أبا هريرة؟ قال: الّذي يأبى أن يستغفر الله، قال الحسن رحمه الله: أكثروا من الاستغفار، فإنّكم لا تدرون متى تنزل الرّحمة، ونصح أب ولده فقال: يا بني عوِّد لسانك الاستغفار، فإنّ لله ساعات لا يَرُدّ فيهنّ سائلًا، وقد جمع ربّنا سبحانه بين التّوحيد والاستغفار في قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}، وقد قال إبليس: أهلكت النّاس بالذّنوب، وأهلكوني بلا إله إلّا الله والاستغفار.
والاستغفار ختام الأعمال الصّالحة كلّها، فتُختَم به الصّلاة، والحجّ، وقيام اللّيل، وتختم به المجالس، فإن كانت مجالس ذكر كان كالطّابع عليها، وإن كانت مجالس لهو كانت كفّارة لما حصل فيها. وكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار، فقد كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصّدقة: “فإنّ صدقة الفطر طُهرٌ للصّائم من اللّهو والرّفث، والاستغفار يرفع ما حصل من الخروق في الصّيام باللّهو والرّفث، قولوا كما قال أبوكم آدم: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وقولوا كما قال نوح: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}، وقولوا كما قال إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}، وقولوا كما قال موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}، وقولوا كما قال ذو النّون: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
فصيامنا يحتاج إلى استغفار نافع، وعمل صالح له شافع، فكم اخترق صيامنا بسهام الكلام الّذي لا يليق، فلذلك لابدّ من ترقيعه باستغفار عميق، كان بعض السّلف إذا صلّى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه، إذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم، فكيف حال المسيئين؟.
فالمهمّ أيّها الفاضل: علينا أن نُكثِر من الاستغفار بعد كلّ عبادة، عل المولى سبحانه أن يتجاوز عن إسرافنا وتفريطنا، وما حصل منّا من معاصي وسيّئات، ومع كلّ عبادة علينا ألّا نُصاب بالغرور، فالبعض يجتهد فعلًا، ويختم القرآن أكثر من مرّة، ويحرص على الصّيام والقيام، ويردف ذلك بأنواع الصّدقات والمَبَرّات وفعل الخيرات، لكن إذا كانت النّفس سيّئة، إذا كان الطبع متعفّنًا، فإنّ كثرة العبادة لا تنفع، بل إنّ الشّيطان يوسوس ويقول له: لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعات عظيمة، خرجت من رمضان كيوم ولدتك أمّك، فرصيدك في غاية الارتفاع، صحائف حسناتك مملوءة وكثيرة، فلا عليك بعد ذلك ما عملت، ويصاب بالغرور والعجب، وتمتلئ نفسه تَيْهًا وفخرًا، متناسيًا قول الحقّ سبحانه: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}، أتَمُنّ على الله أنّك أطعته؟ فلا تمُنّ على الله بعملك ولا تفخر ولا تغترّ.
في مسند الإمام أحمد من حديث عتبة بن عبد قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “لو أنّ رجلًا يُجَرّ على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هَرَمًا في مرضاة الله عزّ وجلّ لحقَّره يوم القيامة”، أي: لجاء يوم القيامة فرآه قليلًا ضعيفًا، لرأى عمله لا يساوي شيئًا، فإنّه لو قارنه بنعمة واحدة من النّعم كنعمة البصر مثلًا، لصار هذا قليلًا لا يساوي شيئًا، ولذلك علينا أن نضع نصب أعيننا بأنّنا لا ندخل الجنّة بأعمالنا، وإنّما برحمته تعالى، فالأعمال ليست ثمنًا للجنّة، إنّما هي أسباب، فمن دون رحمة الله ،فإنّ الأعمال لا تؤهّل صاحبها لدخول جنان الرّحمن، بل ولا تسديد حقّ نعمة واحدة من النّعم. والله وليّ التّوفيق.
اسلاميات 16 ماي 2022 (منذ 3 أيام) الشّيخ عبد المالك واضح*
إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي