وقعَ السيد خالد مشعل، رئيس حركة حماس الفلسطينية في الخارج، في الكثير من الطوباوية والمثالية وهو يدعو الأمَّةَ إلى إنشاء “جيش لتحرير الأقصى، يكون للجميع سهمٌ فيه”، كما قال خلال أشغال المؤتمر الـ12 لـ”الائتلاف العالمي لنُصرة القدس وفلسطين” الذي عُقد مؤخرا باسطنبول بحضور 400 شخصية من 40 دولة.
هذه الدعوة كان يمكن أن تكون واقعيةً وقابلة للتنفيذ في العقود الماضية، وتحديدا خلال الحروب العربية الصهيونية التي كان ينقصها مشاركة جيوش الدول الإسلامية الكبرى على الأقل، كباكستان وتركيا وإيران واندونيسيا… لكنّ المشاركة اقتصرت على الجيوش العربية للأسف وكان آخرها حرب أكتوبر 1973، وبعدها استكانت الأنظمة العربية وضعُفت وبدأت تبحث عن التسويات السلمية المنفردة مع الاحتلال، فكانت كامب ديفيد 1979 التي أنهت عهد الحروب العربية الصهيونية عمليا، ثم تبعتها اتفاقية وادي عربة في 1994، فاتفاقات “إبراهام” مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب التي لم تكتفِ بترسيم نهاية المواجهات العسكرية العربية الصهيونية فحسب، بل أسّست –وهذا هو التحوّلُ الأخطر- لتحالفٍ عسكري بينها وتوقيع اتفاقات تعاون أمني واستخباراتي رفيع ودفاع مشترك ستجعل جيشَ الاحتلال وجيوش حلفائه العرب تقاتل جنبا إلى جنب في أيّ حربٍ مستقبلية ضدّ إيران وحتى المقاومة في غزة، بغية الإجهاز عليها، وإعادة القطاع إلى حضن السلطة الفلسطينية، ومن ثمّة تنفيذ “صفقة القرن” بحذافيرها، وتصفية القضية الفلسطينية.
أما بقيّة العرب فهم فريقان؛ الأول ينتظر الفرصة للخروج بدوره من التطبيع السري إلى العلني، والثاني يتعاطف مع القضية الفلسطينية ولكنّه يؤثِر الصمت لتجنّب غضب أمريكا ولا يجرؤ على دعم المقاومة ببندقيةٍ واحدة. وتندرج تحت هذه التقسيمات الثلاثة الأنظمةُ الإسلامية أيضا، باستثناء إيران.
وفي ظلّ هذا التشرذم والضعف والانقسامات، وكثرة الخلافات البينية، واشتداد السِّباق على التطبيع والانبطاح وخيانة فلسطين، لا يمكن أن نحلم بصلاح دين جديد يجمع كتائبَ من جيوش 56 دولة إسلامية في جيشٍ واحد يقوده إلى فلسطين لتحريرها، وحتى دول الطرق الأربع: مصر وسوريا ولبنان والأردن أغلقت حدودها كلها وحوّلت جنودها إلى حرسٍ لحدود الكيان، فلا تمرّ ذبابةٌ من هناك من دون أن ترصدها!
خلال انتفاضة الأقصى سنة 2002، فتحت دولةٌ إسلامية كبيرة باب التطوّع لأبنائها ليجاهدوا في فلسطين، ففوجئت بأنّ أزيد من 3 ملايين من أبنائها قد سجّلوا أنفسهم للجهاد في ظرف يوم واحد، فماطلت وراوغت حتى امتصّت غضبهم.. هذا يعني أنّ الشعوب الإسلامية مستعدّة للتضحية من أجل قُدسها وأقصاها الذي يدنّسه الصهاينة كل يوم، ولو فُتحت فعلا أبوابُ التطوّع لكان هناك عشرات الملايين من المتطوعين في شتى أنحاء العالم، ولكنّ المشكلة أنّ هذه الشعوب قد أبتليت بأنظمةٍ استبدادية فاسدة تحظى بدعم أمريكا والغرب لتنفيذ مَهمّةٍ واحدة وهي قمع شعوبها وثنيها عن السعي إلى تحرير فلسطين بالقوة، وانظروا فقط إلى ما تفعله سلطة “التنسيق الأمني” مع الاحتلال من جهودٍ متواصلة للقضاء على أيِّ أثرٍ للمقاومة في الضفة الغربية.
ليس هناك أيُّ أمل في تحقيق دعوة مشعل في المدى القصير، ولاسيما بعد فشل تجارب “الربيع العربي” جميعا، وآخرها تونس، في استعادة الشعوب زمام أمورها.. الحلُّ الواقعي الآن هو أن تواصل المقاومة التعاون مع إيران لتطوير تيكنولوجيا تصنيع الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيَّرة والغوَّاصات غير المأهولة وأسلحة أخرى في غزة لمباغتة العدوّ في الحروب القادمة. لقد فاجأت المقاومة منذ أيام الاحتلال بصواريخ “ستريلا 2” المضادّة للطائرات وأجبرتها على الانسحاب، وهذا تطوّرٌ لافت يحدث في فلسطين لأول مرة في تاريخها، وإذا استطاعت المقاومة امتلاك منظومات دفاع جوية فعّالة فستشلّ سلاح الطيران الصهيوني، وسيكون ذلك إيذانا بتغيّرٍ ميداني جذري لصالحها في أيّ حرب قادمة.
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.