فضاءات بشار

بشار

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
ابو زكرياء ابراهيم
مسجــل منــــذ: 2010-10-15
مجموع النقط: 1662.92
إعلانات


علمني رمضان أن الدعاء استعانة واستجابة وهداية

إنّ حاجة العبد لربّه دائمة، فهو سبحانه كما وصف نفسه: “الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ” الذّاريات:58، وما يُصيب العباد من الخير فبفضله، ولا يمسّهم سوء إلّا بعلمه، ولا يرفعه عنهم إلّا بإذنه، قال تعالى: “وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ” النّحل:53، فلا غنى للعبد عن اللّجوء إلى خالقه في كلّ حال وزمان؛ لأنّه ضعيف مهما أوتي من أسباب القوّة والبأس، لذلك كان الدّعاء استعانة من ضعيف عاجز بقويٍّ قادر، ولجوء إليه في جميع الأحوال، فالدّعاء من أوثق الصِّلات بين العبد وربّه، فمن يُفرّج همّ المهمومين سواه؟ ومن يُنفّس كرب المكروبين غيره؟ ومن يقضي حوائج المحتاجين إلّا هو سبحانه؟ قال تعالى: “أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ” النّمل:62.

وفي السُّنّة النّبويّة والسِّيرة العطرة شواهد كثيرة على عبودية النّبيِّ صلى الله عليه وسلم المطلقة لله، واستعانته الكاملة به جلّ وعلا، فيتوجَّهُ إليه بصدق، ويدعوه بإلحاح، وينكسر بين يديه في تضرّع وخشوع، ويقينه أنَّ الله معه، وأنّه لا يُخيِّب له رجاء، فلا مكان في قلبه لليأس من رحمة الله، وخبره يوم الطائف، وفي ليلة الجمعة من غزوة بدر الكبرى خير شاهد ودليل. وهكذا ينبغي أن تتعلّق القلوب بخالقها ورازقها، فيكون الدُّعاء أحد الأبواب الّتي نحقّق بها عبوديتنا لله ربّ العالمين، قال صلى الله عليه وسلم: “أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ هُوَ الدُّعَاءُ” أخرجه الحاكم في المستدرك.


وشأن الدّعاء في رمضان شأن عظيم، فقد ذكره الله تعالى في ثنايا الآيات الّتي تتكلَّم عن أحكام الصِّيام، قال تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” البقرة:186، وفي ذلك إشارة إلى أهمية الدّعاء في شهر الصّيام، وأنّه شهر تُستجاب فيه الدّعوات، وقد جاء في الحديث قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: “ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ المْظَلْوُمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِر” رواه الطبراني. خاصَّة عند الإفطار.

فقد اجتمع في رمضان شرف الزّمان، حيث اختاره الله لنزول القرآن فيه، ثمّ اختصاصه بفرضية عبادة الصِّيام فيه، مع مضاعفة الأجور، وفتح أبواب الإجابة للسِّائلين، خاصَّة لمَن حقّق أسبابها من إيمان وتصديق بكلّ ما جاء عن الله، واستجابة وامتثال لأوامر الله ونواهيه، وبذلك يحصل الرُّشد وينتفي الغيُّ، فرمضان والدّعاء سبيلان كبيران، ونهجان واضحان لتحقيق صدق التّوكّل على الله بالاستعانة به وحده، وسرعة إجابة الدّعوات برفع أكفّ الضّراعة لربّ الأرض والسّموات، والسّير الحثيث نحو الرَّشاد الّذي يقود للصّلاح والفلاح. فإذا انقطعت -أيّها المسلم- الحبال، وأغلقت دونك الأبواب، فباب اللّه لا يُغلق، والحبل الّذي بينك وبينه ممدود، فليس بينك وبينه إلّا أن نرفع أيدينا إلى السَّماء ونقول: يا رب، فيقول الله: لبيّك عبدي. فادع -أيّها الصّائم- ربّك، ونقِّ قلبكَ من أدران الذّنوب، ويديكَ من أوزار المظالم، وأقبل عليه بتوبة صادقة نصوح، تفز بالرّحمات وإجابة الدّعوات.

وإيّاك أيّها الصَّائم أن تستغني عن اللّه، وتطرق باب خلقه وتنساه، فيلحقك غضبه وعقابه، قال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ” رواه الترمذي، وإيّاك أن تكون أعجز النّاس عن مخاطبة مولاك، والتّضرّع إليه بالدّعاء، جاء في الأثر: “أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ” أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وإيّاك أن تزدري الدّعاء أو تستصغره، فلقد مُسخت أمم وسقطت عروش بسبب دعاء المظلومين على الظّالمين، وألحّ -أيّها الصّائم- في الدّعاء، فإنّ ذلك ممّا يُحبّه الله من العبد.

واعلم -أيّها الصّائم- أنّ الدّعاء كلّه خير، وليس فيه غبن أو خسارة، قال نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو، لَيْسَ بِإِثْمٍ وَلاَ بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا”، قال الصَّحابة: يا رسول الله إذًا نُكثر، قال: “اللهُ أَكْثَرُ” أخرجه البخاري في الأدب المفرد. فتفرّغ للدّعاء خاصّة في رمضان، فمن أعظم الأعمال في هذا الشّهر الكريم الاعتناء بعبادة الدّعاء، واعلم أنّ اللّه إذا أراد أن يُعطيك أجرى الدّعاء على لسانك، فاللَّهمّ لا تحرمنا لذّة الدّعاء، وصدق الرّجاء، واجعلنا من المقبولين وعتقائك من النّار في هذا الشّهر الفضيل، بكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين، وأرحم الرّاحمين.

* رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة****21 افريل 2022 (منذ يوم واحد) الشيخ جمال غول


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة